ما أفسده ترامب يصعب إصلاحه
ترجمة: هناء شروف
عن الاندبندنت
يتخوّف بعض المراقبين من استمرار أفكار ترامب، حتى بعد مغادرته السلطة، أو أنه ربما يعود للسلطة بعد أربعة أعوام. ولكن هذا الأمر مستبعد تماماً بل يكاد يكون مستحيلاً، لأنه سيكون بعيداً عن البيت الأبيض، ولا يملك الأوامر التنفيذية التي يبهر بها أتباعه، كما لم يعد له صوت مباشر عبر تويتر ومحطات التلفزيون مثلما كانت الحال وهو رئيس، فهو الآن معزول غير قادر على إمتاع الجمهور مثلما اعتاد، ولا يستطيع تصدّر عناوين الأخبار في الولايات المتحدة وفي العالم تقريباً كما كان يفعل من قبل.
لقد تمّ إسقاط ترامب بسبب خطابه الشرير، لكن الضرر الذي ألحقه بأمريكا سيكون من الصعب التراجع عنه، فقد شهدت السنوات الأربع الماضية ضعف الولايات المتحدة، لذلك سيجد جو بايدن، الرئيس السادس والأربعون، صعوبة في التعامل مع الفوضى التي خلّفها ترامب وراءه.
سيكون هناك دائماً نواة مؤيدة لترامب من الأمريكيين الذين سيقتنعون، بغضّ النظر عن نقص الأدلة، بأن رجلهم كان يجب أن يبقى في البيت الأبيض. وهنا يتنبّأ بعض المعلقين بشكل قاتم بأن الترامبية ستصمد أكثر من ترامب، مستشهدين بـ74 مليوناً صوّتوا له، وأغلبية الجمهوريين الذين يؤمنون بادعاءاته حول الفوز في الانتخابات!.
من ناحية أخرى، يأمل كثيرون أن يكون ترامب انحرافاً في التاريخ الأمريكي، وحادثاً سياسياً بشعاً من غير المرجح أن يتكرّر، وأن هزيمة أسلوبه السياسي ستكون نهائية. لقد أساء معارضو ترامب، على مدى السنوات الأربع الماضية، فهم نقاط قوته وضعفه، والتقليل من شأنها والمبالغة في تقديرها في الوقت نفسه.
كان ترامب مهووساً بالدعاية الذاتية -وهي سمة شائعة بدرجة كافية بين السياسيين- ولكنه يتمتّع بقدرات غير عادية عندما يتعلّق الأمر بالسيطرة على أجندة الأخبار من خلال استخدام تويتر وشبكات التلفزيون المتعاطفة مثل “فوكس نيوز” بمهارة، ناهيك عن الاستمرار في القيام بذلك لسنوات، حيث كان ينشر تغريدات موجّهة بدقة لإثارة عناوين الأخبار التي تجذب الانتباه في الصحف ونشرات الأخبار. تسبّبت الأكاذيب الشائنة والفضائح الشخصية بضرر له، واجتذبت تقييمات تلفزيونية عالية حتى في محطات التلفزيون التي كانت تكرهه. وقد مكّنه هذا منذ فترة طويلة من السيطرة على الأجندة الإخبارية في الولايات المتحدة وفي بقية العالم، لدرجة أصبحت تبدو طبيعية لكل من الأصدقاء والأعداء، ولكن منذ الانتخابات تراجعت قيمته الترفيهية وأصبح يبدو مشوشاً أكثر فأكثر وهو يتكلم حول كيفية سرقته من المنصب.
تكمنُ مشكلة الترامبية في أنها لا تقف إلى حدّ كبير من دون ترامب نفسه وفهمه الغريزي. لم تكن الترامبية أبداً أيديولوجية مثل الفاشية الأوروبية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، لكنها مجموعة غير متماسكة من المخاوف والأحقاد والأحلام.
لن تنسى الذاكرة الجماعية العالمية أبداً أن الولايات المتحدة أنتجت رئيساً مثل ترامب يسيء إدارة أزمة فيروس كورونا ويترك 400 ألف أمريكي يموتون بسبب ذلك. لم يفعل شيئاً غير تعزيز برنامج الجمهوريين التقليدي، وهو خفض الضرائب وتخفيف القيود، أما بالنسبة لأتباعه من الطبقات المهمّشة، فكل ما أعطاها هو الكلام والوعود.
لقد عرفت الولايات المتحدة انقسامات بسبب العرقية وعصر العبودية وسنوات الحرب الأهلية، وطوّت هذه الصفحات التاريخية، لكن اقتحام مقر الكونغرس أثار المخاوف من أن تتكرّر هذه الأحداث مستقبلاً.
كان هناك زيف في قلب مشروع ترامب بأكمله وهناك شيء مرضٍ في الطريقة التي كانت بها ديماغوجيته العدوانية في يوم غزو الكابيتول، والتي ربما لم يتوقع أن تؤخذ على محمل الجد، والتي قد تدمّره الآن!.