مياهنا العذبة المهدورة..!
بات مألوفاً لجيران البحر رؤية مياهه وقد تحوّلت زرقتها إلى لون العكارة الطيني على امتداد الشواطئ القريبة من مصبات الأنهار والسواقي، ولأعماق تتجاوز عشرات الأمتار عند كل هطل مطري غزير، في دلالة على كمّ المياه العذبة من سيول وأنهار وينابيع دفاقة تأخذ مستقرها –مع الأسف– في البحر!.
وتقدّر الدراسات المنجزة من قبل وزارة الموارد المائية ومؤسساتها المعنية ذاتها أن حجم المياه العذبة المهدورة التي تذهب سدىً كل عام لتصبّ في مياه البحر تتجاوز الملياري م3 بسبب عدم اكتمال تنفيذ حلقة السدود المقترحة في محافظتي طرطوس واللاذقية، كونهما تتمتعان بأعلى معدل وارد مطري في القطر كما هو معلوم.
ما نشير إليه ليس جديداً ولا هو من نوع الترف المائي الذي يجعلنا نغذي بحرنا المالح لـ”تحليته” ببحر من المياه العذبة التي لا نحتاجها، لكنه إعادة توصيف لمشهد يتكرّر أمام الجميع دون أن نرى أية إجراءات فاعلة تعمل على قطف وتجميع تلك المياه التي نحن بأمسّ الحاجة لها!!.
ورغم ما تمّ تشييده من سدود مهمّة في المنطقة الساحلية لم نتمكن حتى تاريخه من تخطي عتبة تخزين مليار م3 في بحيراتها مجتمعة، ولا نزال بعيدين كثيراً عن الوصول إلى ما يعزّز أمننا المائي وتكريسه ببناء المزيد من السدود والسدات المائية، رغم أننا نمتلك دراسات منجزة وجاهزة كان من المفروض أن تتحوّل إلى مشاريع على أرض الواقع منذ سنوات سبقت الأزمة بكثير، لكنها سوّفت وعُرقِلت بفعل المتنفذين والمصالح والحسابات الضيّقة، كما حصل في مشروع سد مرقية والحصين في محافظة طرطوس، وسد السخابة في بيت ياشوط في محافظة اللاذقية الذي أوقف العمل به إثر فشل أعمال الحقن والردميات فيه بعد سنوات من المباشرة بها، وضياع الوقت وهدر مئات الملايين بلا طائل ولا جدوى دون أن يسأل أحد، إلى جانب تعطّل مشروع إرواء مدينة دمشق التي تخضع كل صيف لتقنين مائي قاسٍ ومديد وغير ذلك الكثير.
باختصار.. إن مستقبلنا المائي لا يزال مقلقاً وغير آمن، ولاسيما في ظروف وتقلبات مناخية صعبة ومخيفة يصعب تكهن منعكساتها، إلى جانب ما نشهده من احتدام الصراعات والنزاعات التي تتعاظم حول نقطة المياه في منطقتنا، والأمثلة واضحة ومعروفة للجميع. ولذلك كلّه ورغم ما نمرّ به اليوم فإن بث الحياة في مشروعات سدودنا المقترحة وجدولتها على أجندة تنفيذ المشاريع الإستراتيجية المهمّة وفق خطة زمنية مدروسة أمر لا يحتمل التأجيل والتأخير أكثر من ذلك، أم أن هناك كلاماً آخر؟.
وائل علي