“العميد” وحكاية الأطفال اللاجئين في المخيمات
بعد أن شارك باسم السلكا في العديد من أعمال البيئة الشامية كمخرج مساعد في “أولاد القيمرية” و”الحصرم الشامي” وغيرها وكتب للأعمال المعاصرة، خاض تجربة الكتابة للأعمال المشتركة اللبنانية السورية فكتب الأجزاء الأولى من “الهيبة”، و” نص يوم” وتعاون مع المخرج سامر البرقاوي، ثم يفاجئ المشاهد السوري والعربي بكتابة وإخراج مسلسل “العميد” الذي يحمل رؤيته وإحساسه بالأحداث وبمضمون العمل من وجهة نظره لاسيما أنه المخرج والكاتب.
ويتناول ملامح من الأزمة السورية العاصفة من خلال واقع الأطفال السوريين اللاجئين في المخيمات في لبنان بالتضمين، لتنضوي ضمن إطار الجريمة والبحث عن القاتل بشكل جديد من قبل شخصية العميد الذي حمل اسم العمل وأدى دوره نجم “الهيبة” تيم حسن “مراد الجوخدار” بعد أن قدمه باسم السلكا بشخصية مختلفة تماماً عن شخصية جبل، وبعيدة كل البعد عنها، فبدا بكركتر العميد هادئاً ومتزناً يعكس لياقة الأستاذ الجامعي، يتكلم بصوت منخفض ويضع نظارة طبية ولا يظهر انفعاله للآخرين، يتابع عمله الإداري ويتصف بمهارة تحليل الأحداث، تضعه الأحداث في موقع الجريمة فتطلب منه كاريس بشار زوجة عامر الرجل المقتول من قبل مجهول مساعدتها لكشف هوية القاتل “كنت بدي أعرف مين قتل زوجي واليوم بدي أعرف مين كنت متزوجة”، ما يضعه في شبهة قانونية ويتعرض للتهديد بفصله من العمل، فتمضي أحداث العمل مع “سلمى” الروائية التي ترسم شخصياتها على الورق وتغوص بعوالمهم ومصائرهم إلا أنها لم تستطع كشف أسرار زوجها.
ويعتمد السلكا على نجومية تيم حسن مثل الهيبة بتصاعد الأحداث وشد المشاهد معتمداً على عنصر التشويق والإثارة بالمطاردات والمفاجآت، فتكشف الأحداث عن أسرار خطيرة تطال “عامر” كانت المدخل الذي دخل منه السلكا للمحور الأساسي بالعمل، وهو ما يتعرض إليه الأطفال السوريون اللاجئون في المخيمات في لبنان بخطفهم، والتركيز على خطف الأطفال الرضع واحتجازهم في مكان لا تتوافر فيه الرعاية مع أفراد العصابة والعاملين معهم، تمهيداً لبيعهم إلى أوروبا لأهداف تخضع لتأويلات مختلفة منها بيع الأعضاء أو تجنيدهم كمرتزقة أو بيعهم للأسر، وبهذا يكون السلكا تطرق إلى جزء من انعكاسات الحرب الإرهابية واستغلال اللاجئين الذين فقدوا منازلهم، لينتظرهم إرهاب أكبر بخطف أطفالهم.
يثير السلكا من خلال شخصية “رنا” رنا شميس، والتي وضعتها الأحداث في مكان الأطفال فتتعرض للعنف من قبل أفراد العصابة لاعتراضها على جرائمهم، ولبحثها عن طفلتها المخطوفة “جودي”، ومن خلالها أيضاً يعود السلكا إلى بداية الحرب بمشهد تستحضره بالفلاش باك، حينما كانت تعاني من آلام المخاض ولم تتمكن الطبيبة من الحضور إلى المنزل لمساعدتها بالولادة نتيجة الاشتباكات الدائرة وسقوط قذائف الموت وتربص القناص، فيصر زوجها على مغادرة المنزل لإحضار الطبيبة وعلى بعد أمتار من المنزل يستشهد برصاصة قناص غادرة في الوقت الذي يعلو فيه صوت آذان الفجر، المشهد الذي وظّفه السلكا ليختزل الأحداث العنيفة في كل مناطق سورية التي كانت تقاوم وتواجه الموت والإرهاب.
فك لغز الجريمة
تمكن السلكا من جمع خطوط عدة من الحبكة بطريقة مدروسة ومنطقية تلتقي مع الخط الثاني للعمل بالكشف عن ملابسات الجريمة، ورغم المضايقات التي يتعرض لها العميد-مراد الجوخدار- إلا أنه يصر على متابعة فك لغز الجريمة مع سلمى التي نُسجت بينهما مشاعر وجدانية خفية منعته من التخلي عنها.
ويوظّف العميد لغته التحليلية بالربط بين الأحداث واسترجاع لقطات الكاميرات لاسيما في الفندق الذي يسكن فيه “عامر” ليدير عمليات التهريب والاختطاف بعيداً عن منزله، والملفت ظهور شخصية أخت عامر بالتحقيق التي تتظاهر بأنها مقعدة أمام الجميع لإبعاد الشبهات عنها.
وفي المشهد الأخير يفاجئ العميد المشاهدين بحقيقة غير متوقعة حينما يفتح باب الخزانة ويكون “عامر” مختبئاً بداخلها، وهو على قيد الحياة في هذه اللقطة المباغتة تنتهي أحداث العمل ليترك السلكا الباب موارباً.
التجديد بالشكل
ولم يحمل العمل فكرة جديدة من حيث تفاصيل الحرب السورية فقط، وإنما جدد بالشكل الإخراجي إذ تألف العمل من اثنتي عشرة حلقة بعيداً عن المتبع وبمدة الحلقة، وكل حلقة كانت تحمل عنواناً مختلفاً ابتداء من الحلقة الأولى “ليس مجرد اختفاء، مهمة غير قانونية، مسرح الجريمة، ليلة طويلة جداً، هدوء قبل العاصفة، لنصل إلى الحلقة الأخيرة ” الخروج عن المسار” وكذلك اختياره أماكن التصوير التي اعتمدت على التصوير الخارجي لاسيما بمشاهد المطاردة، والمنازل المتباينة إذ بدا منزل سلمى من الطراز المعدني الحديث في حين منزل أخت عامر كان تراثياً وقديماً لدلالات موحية بالمفارقات والتناقضات، وتصويره بالمخيمات والمناطق الشعبية.
وكان لمشاركة الممثل فادي صبيح دور كبير بكشف الجريمة من خلال عمله بإصلاح الأحذية في المخيم ومراقبته تحركات أفراد العصابة وتعاونه مع مراد، إضافة إلى مشاركة الفنانة ناهد حلبي التي أضفت بعداً آخر للعمل من حيث الأداء وإشارتها إلى الإحساس بالريبة من عامر.
وكما صرح السلكا فإنه من المتوقع تقديم أجزاء من مسلسل العميد ربما كسلسلة، بعد أن لاقى العمل نجاحاً بعرضه على المنصات الإلكترونية وعلى المحطات العربية وقدم السلكا مخرجاً متميزاً بعد أن اشتُهر بمشروعه الكتابي، فاقترب من سمات المخرج المؤلف في السينما في هذا العمل الذي شارك فيه العديد من الممثلين اللبنانيين، فأضاف نجاحاً إلى العاملين بالدراما السورية ودورهم التفاعلي بالدراما اللبنانية.
ملده شويكاني