هل اختيار الإدارة الناجحة عملية شاقة؟!
ما يلفت الانتباه في العديد من خطط وبرامج المؤسسات الحكومية الإنتاجية على اختلاف مستوياتها التي تعدها مع بداية كل عام هو الاستسهال في الإعداد، وهي أشبه بوظيفة يومية لتلميذ مدرسة كسول يحاول إنجازها بأي طريقة ليتجنب العقاب، إذ الملاحظ في تلك الخطط إذا ما قورنت بالنتائج أنها غالباً ما تبنى على معطيات غير واقعية، وأهمها غياب الرقم الإحصائي الصحيح، وما يزيد الطين بلة أن هذه الخطط على علتها توضع في مجلدات أنيقة تزيّن صدر مكتب “السيد المدير” الذي يتغنى بشكلها ومضمونها، ويجتهد كثيراً للترويج لها في إعلام مؤسسته، بل وحتى في الإعلام الرسمي، أكثر من اجتهاده في خدمة المؤسسة أو المصلحة العامة!.
للأسف هذا المرض “الاستعراض الإعلامي” مصاب به غالبية مؤسساتنا التي اعتادت على قول الكثير، وفعل القليل، وسط غياب الرقابة والمحاسبة، وهذا مرض مزمن يبدو لا شفاء منه إن ظلت العقلية الحالية المعتمدة في اختيار المفاصل الإدارية!.
ثمة أسئلة يمكن طرحها هنا: ما جدوى الخطط والبرامج إن بقيت حيز الورق، كم من مؤسسة عندنا تقيّم أداءها وتعترف بأخطائها بهدف تطوير نفسها حاضراً ومستقبلاً، وهل الوصول إلى اختيار إدارة ناجحة بات عملية شاقة؟!
مهما تعددت الإجابات لمعرفة السبب، يبقى هناك قاسم مشترك للسبب الأهم وهو “الإدارة الفاشلة” لجهة حسن التعامل مع مقومات الإنتاج سواء ما يتعلق بالتوظيف المناسب للكادر البشري أو التصرف في الموارد المالية والاقتصادية المتاحة لاستثمارها في المكان الصحيح، فالملاحظ ومن خلال التجربة أن أغلب الإدارات لا تستطيع إيجاد السبل التي تحقق التماسك للمؤسسة داخلياً وفي السوق خارجياً، وكأنه يغيب عن مفاصلها الإدارية أن التخطيط السليم ليس مجرد بيانات و”خربشات” على الورق، بل هو أهم خطوة في الإدارة والذي يجب أن يتوج باتخاذ قرارات بحكمة وعقلانية تنعكس إيجاباً على المنتج، وربما لا نبالغ لو قلنا أن بعض المدراء لا يعرفون ما هو المطلوب منهم في مؤسساتهم، ولا يدركون جيداً أهمية مخرجات عملهم!.
لا نريد الإطالة، فالحديث مؤلم عن كوارث أداء بعض إداراتنا، وبالمختصر نقول: إننا في مرحلة تحتاج أداءً إدارياً عالي المستوى، فاليوم لم يعد ينفع تكرار الاعتماد على كوادر أثبتت فشلها رغم إعطائها العديد من الفرص ودعمها بالإمكانات اللازمة لكن بقي الأداء باهتاً لا قيمة مضافة فيه، وهذا بلا شك يضع الجهات صاحبة القرار على المحك لجهة تغيّر آلية اختيار الكوادر للمفاصل الإدارية بعيداً عن إرضاء “فلان وتطيب خاطر علان”، فمصلحة الوطن في ظل هذه الظروف الصعبة يحتاج التأني في الاختيار، فليس كل من لبس ربطة عنق أنيقة وفاحت منه رائحة عطر فاخرة، قادراً أن يكون مديراً يقوم بأعباء المؤسسة، و”يا خوفنا” يطول انتظار الإصلاح الإداري إلى أمد غير محدود!
غسان فطوم