شهادات أم خبرات وطنية؟!
لا شك أن إقرار رئاسة مجلس الوزراء لأسس وضوابط تمديد خدمة العاملين في الدولة ممن بلغوا السن القانونية ترك ارتياحاً بين الأوساط الشبابية الباحثة عن فرصة العمل بمختلف مستوياتها وتصنيفاتها، إلا أن ذلك الارتياح بقي مأزوماً ومشبعاً بالهواجس التي تلاحق الاستثناءات العابرة إلى جميع المؤسسات، وبقرار من المؤسسة التنفيذية ذاتها التي على ما يبدو تنحي في بعض الأوقات قراراتها جانباً لتسمح بتمرير البعض تحت مسميات متعددة، وقد باتت معروفة للقاصي والداني، بحيث يتم، كما هو وارد في نص القرار وفي حالات الضرورة القصوى، التمديد لمدة عام واحد قابل للتجديد للعاملين من الفئة الأولى بقرار من رئيس مجلس الوزراء، في حين يتم التمديد للعاملين من الفئتين الثانية والرابعة بقرار من الوزير المختص لمدة سنة واحدة غير قابلة للتجديد.
وما يزيد المخاوف اعتماد ما يسمى “الشهادة النوعية” بدلاً من الخبرة النوعية التي تكون نتيجة لسنوات طويلة من العمل والإبداع التي تشكّل في نهاية المطاف خبرة تراكمية قادرة على الابتكار وتقديم شيء عملي تنفيذي ملموس على أرض الواقع يسهم في تحقيق المصلحة العامة بكل أشكالها، وطبعاً لا يمكن إلغاء أهمية الشهادات العلمية، إلا أنها في هذا المقام تحديداً، أي في الشركات الإنتاجية وغيرها، لا مكان لها، حسب ما تؤكده وقائع العمل، والتجارب الكثيرة التي أبدع فيها عمال عاديون لا يمتلكون أية شهادات علمية عالية، بل كانوا دائماً خلف آلاتهم وتفوقوا على خبراء الدول المصنعة، والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، وهنا نذكر على سبيل المثال لا الحصر عمال مصفاة بانياس، وعمال محطات الكهرباء كمحطة محردة التي ستخسر بهذا القرار خيرة عمالها الذين أبدعوا ولديهم خبرة عملية كبيرة، ولكن للأسف سيخرجون من بوابة الشهادات النوعية غير الموجودة في المحطة، لتكون النتائج عكسية على الأداء .
وإذا كان الرد على هذه الهواجس سيبنى على نظرية فتح المجالات أمام القوة العاملة الشابة للدخول إلى سوق العمل، فسيكون ذلك محاولة للالتفاف على مسار القرار، خاصة مع إشكالية تحديد الشهادة النوعية، ومدى الاستفادة منها، والمعايير التي ستعتمد لهذا التصنيف الذي سيكون بوابة لعبور أصحاب الشهادات لا الكفاءات إلى مواقع العمل، مع الانتباه إلى أن الكثير من الشهادات تحيط بها العديد من إشارات الاستفهام التي تطعن في حقيقة منحها، ومؤهلات من يمتلكها.
باختصار، هذا القرار بحاجة إلى إعادة النظر به، وتصويبه بالاتجاه الصحيح للوصول إلى نتائج حقيقية على صعيد الارتقاء بالأداء، والحفاظ على الخبرات الوطنية في جميع المؤسسات التي باتت شبه خاوية من هذه الكفاءات، وبصراحة آن الأوان لاتخاذ القرار التنفيذي الجريء بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وعدم التخلي عن الكوادر الخبيرة، بغض النظر عن المؤهل العلمي، وخاصة في هذه المرحلة الحرجة، مع التأكيد على ضرورة الانتقاء الصحيح، وعدم فتح المجال للاستثناءات السلبية التي يشكّل تكاثرها في المؤسسات عائقاً لمشروع الإصلاح الإداري.
بشير فرزان