أقـل مـا يـقـال.. نقطة لصالح الحكومة.. ولكن..!
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
قد يسجل للحكومة عدم انقطاع المواد والخدمات الأساسية بشكل نهائي – بغض النظر عن مستوى توافرهما – بعد أن عصفت بهما تداعيات أزمة خانقة امتدت لعقد من الزمن، وخاصة لجهة الندرة واحتكارها من قبل تجار الأزمات؛ وقد لا نستطيع إنكار ما قامت الحكومة بجهود استثنائية تتوازى بشكل أو بآخر مع حيثيات ما نمر به من مرحلة استثنائية، حيث لجأت إلى استيراد المشتقات النفطية بطرق محفوفة بالمخاطر، وأبرمت لأول مرة في تاريخ الاقتصاد السوري عقوداً لاستيراد الدقيق والقمح لتأمين استقرار رغيف الخبز وبالسعر المدعوم؛ إلا أنه في ذات الوقت يمكننا القول إن ما بذلته سلطتنا التنفيذية من جهود سلسلة لم تكتمل حلقاتها كما ينبغي، خاصة فيما يتعلق بإيصال هذه المواد، وتحديداً الخبز والمحروقات، إلى المستحقين..!
ما سبق يشي بأن الحكومة إما عجزت، أو تجاهلت البحث عن آليات وسبل يمكن من خلالها تحقيق الهدف المنشود، وهو “إيصال الدعم لمستحقيه”، أو أن كل ما صدر من تصريحات حكومية حول تأمين السوق بما يلزم من مواد أساسية مجرد فقاعات إعلامية..!
وهنا نستبعد الاحتمال الثاني ونرجح الأول، على اعتبار أنه بإمكان أي مواطن حالياً الحصول على كل ما يحتاجه، وبما يشاء من كميات كبيرة من هذه المواد من السوق السوداء، ولكن بأسعار فلكية، فلتر المازوت تجاوز حاجز الـ 1000 ليرة، وربطة الخبز يتراوح سعرها ما بين الـ 350 و500 ليرة، وأسطوانة الغاز بحدود الـ 30000 ليرة، وأحيانا تزيد عن ذلك..! ما يعني أن الحكومة نجحت بتأمين هذه المواد، وتعثرت في إيصالها للمستهلك، وتخليصه من ظاهرة الاحتكار وتجار الأزمات، رغم سهولة إيصالها مقارنة بتأمينها..!
لا شك أن ما ينعش السوق السوداء هو حاجة المواطن لها في ظل تسربها من القنوات الرسمية المعنية بإيصالها له، ما يستوجب بالتالي الضرب بيد من حديد لسد ما يكتنف هذه القنوات من ثغرات تضيع من خلالها مخصصات المواطن من المواد المدعومة، خاصة وأننا نعيش مرحلة حرجة جداً تستدعي تفعيل كل الإمكانيات وطرح مبادرات وأفكار غير تقليدية، بغض النظر عما تتعرض له من انتقادات طالما الهدف منها تأمين الاحتياج المحلي من المواد الأساسية..!
تستدعي هذه المرحلة سن قوانين وتشريعات صارمة بحق كل من يستغل حاجة الناس ويتاجر بقوتهم، وعدم التساهل باتخاذ أي إجراء بحقهم، خاصة وأن معظم ما يتاجر به من مواد وسلع هو بالأساس مدعوم ومن حق الشعب الاستفادة من هذا الدعم وليس المتاجرين به، ولا ضير أن يطل جميع وزرائنا، خاصة المعنيين منهم بالشأن الاقتصادي والخدمي، عقب كل جلسة لمجلس الوزراء، ويضعونا بصورة ما يقدمونه من أفكار ومبادرات، ويتكلموا بلهجة لا تخلو من الوعيد بحق كل من تسول له نفسه استغلال مقدرات البلاد والعباد، وأن يقوموا بجولات تفتيشية مفاجئة على المؤسسات الحكومية، خاصة تلك المعنية بالمستهلك، لمعرفة منافذ تسلل المواد والسلع إلى الأسواق بغير حق، ومعاقبة المسؤولين عن ذلك.
أخيراً.. نقدر للحكومة سعيها الجاد لتأمين ما يلزم من مواد أساسية يومية للمواطن، لكننا نهيب بها أن تكمل جهودها المثمرة بهذا الاتجاه، عبر سد الثغرات وقمع التجاوزات الصادرة عن رموز الفساد وذيوله، ويمكن لأي مسؤول جاد لرأب صدع مؤسسته أن يكتشف ما يكتنفها من تجاوزات، وذلك من خلال متابعته الشخصية والحثيثة لها بعيداً عما يرفع له من تقارير سواء كانت يومية أم شهرية، ونجزم أن هذه المرحلة تتطلب من كل مسؤول مهما كان منصبه أن ينزل إلى الميدان العملي ليلمس ويشاهد ما يعتري مؤسساتنا من ارتكابات قد يكون بعضها عن غير قصد..!