مجلة البعث الأسبوعية

الخبيرة الأممية ألينا دوهان: تأثير العقوبات الأمريكية على سورية يعادل تأثير الصراع نفسه جمّدت حسابات مصرفية إنسانية لمواجهة كورونا.. ومعجون الأسنان محظور لاستخداماته “المزدوجة”!!

“البعث الأسبوعية” ــ علي اليوسف

أضاءت ألينا ف. دوهان، المقرّرة الخاصة للأمم المتّحدة المعنية بالأثر السلبي للتدابير القسرية أحادية الجانب وحقوق الإنسان، الضوء على العقوبات الأمريكية الوحشية على الشعب السوري، مشيرة إلى أن ما يسمى “قانون قيصر” إنما يستهدف صراحة عملية إعادة الإعمار في سورية بعد عقد من حرب كارثية، مؤكدةً إن هذه العقوبات غير قانونية وتحرم المدنيين السوريين من احتياجاتهم الأساسية، ويجب رفعها.

 

وجهة نظر قانونية

ورأت دوهان، الأستاذة بجامعة بيلاروسيا الحكومية، في مقابلة مطولة نشرت على موقع “غراي زون” أن فرض عقوبات أحادية الجانب في العالم المعاصر يؤثر على حقوق الإنسان، وأنه من الضروري الأخذ في الحسبان اليوم أن فكرة العقوبات الأحادية التي نسمع عنها كل يوم تتوسع كثيراً؛ وعندما نتحدث، على سبيل المثال، عن الوضع في سورية، نجد أن “قانون قيصر” نفسه يسعى إلى منع أعمال إعادة الإعمار، خاصةً بعد 10 سنوات من الحرب، حيث تم تدمير الكثير من البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية.

وفي مثل هذا الوضع المعاصر، وبسبب حجم العقوبات المفروضة على سورية، لا يمكن تحويل الأموال إليها مباشرة – تقول دوهان – وحتى لو كان هناك محاولات لتحويل الأموال عن طريق بعض الوكلاء الآخرين، فإن هؤلاء الوكلاء لا يقومون بذلك بسبب الخوف من العقوبات الثانوية. علاوة على ذلك، حتى المنظمات الإنسانية أقل وأقل قدرة على القيام بالعمل الإنساني قياساً بما كانت تفعل من قبل، ومرة أخرى بسبب الخوف من العقوبات الثانوية، حيث يخشى المانحون تقديم الأموال، أو أي سلع أخرى، لتسليمها إلى سورية، لأنهم يخشون الوقوع تحت عقوبات ثانوية.

وفي الحديث عن نطاق العقوبات، ظهرت أشكال جديدة، وهي العقوبات الإلكترونية، ونظراً للقيود المفروضة على تسليم البضائع، لم تتمكن الحكومة السورية من شراء برامج أجهزة التصوير المقطعي المحوسب، وهو أمر مهم للغاية لمعالجة مرضى وباء كورونا في الوقت الحالي كما لا يمكن للأطباء السوريين استخدام منصات Zoom للتواصل، ولا يمكنهم استخدام برامج أخرى للوصول المفتوح بهدف التشخيص أو العلاج عن بعد؛ وعلاوة على ذلك، اشتكى الأطباء السوريون من استحالة استخدام نتائج الوصول المفتوح للمعلومات الطبية – PubMed – والاستشارات المتعلقة بعلاج كوفيد، بالإضافة إلى أمراض أخرى.

 

معجون الأسنان يدخل العقوبات

واستشهدت دوهان، على سبيل المثال، بمقال نشرته صحيفة “أمريكان بروسبكت”، في أيلول 2020، عن طبيب سوري وجد نفسه مرغماً على تهريب معدات طبية لإنقاذ المرضى، أن هذه واحدة من المشاكل الخطيرة للغاية، وأنه نظراً للقيود المفروضة على تسليم أنواع مختلفة من البضائع إلى سورية، فقد تم تحديد عدد كبير جداً من هذه البضائع على أنها سلع “مزدوجة الاستخدام”؛ وفي بعض الأحيان، يصل الأمر إلى نقطة تبدو سخيفة بالنسبة لشخص عادي. وعلى سبيل المثال، لا يمكن إيصال معجون الأسنان إلى سورية لأنه يعتبر سلعة ذات استخدام مزدوج؛ وحتى الحصول على أي دواء أو معدات طبية، كنوع من المساعدات الإنسانية، يُلزم مقدميها، بما في ذلك المنظمات الإنسانية، بالحصول على التراخيص اللازمة من الدول التي تفرض عقوبات، وعندما يحاول هؤلاء تسليم المعدات الطبية عليهم إثبات وجود هدف إنساني حقيقي للتسليم؛ لذلك نجد أن المنظمات الإنسانية غير الحكومية الصغيرة تفضل عدم المشاركة في إيصال هذه المساعدات على الإطلاق؛ وفي حال تم استلام الإذن، مثلاً، لإيصال المساعدات، فهذا يستوجب شراء الوقود لتوصيل الأدوية اللازمة، أو المعدات الطبية، ما يعني أن المنظمة ستحتاج إلى إذن آخر للحصول على وقود لسيارة واحدة في عملية إيصال المساعدات الإنسانية.. ولقد اشتكت بعض المنظمات الإنسانية الأخرى من أنه بسبب عملها الإنساني الذي يهدف إلى توصيل الأدوية والمعدات الطبية والغذاء إلى سورية، في سياق الوباء، فقد تم تجميد حساباتها المصرفية، وكذلك الحسابات المصرفية لموظفيها.

واقبست الخبيرة الأممية من “قانون قيصر”، الذي ينص في استراتيجيته على “ردع الأشخاص الأجانب من إبرام عقود تتعلق بإعادة الإعمار” في المناطق التي يحددها – المناطق التي تسيطر عليها الحكومة حيث يعيش معظم السوريين، لتقول: لسوء الحظ، فإن إحدى العمليات التي نكررها اليوم في مجال العقوبات هي التطبيق الموسع للعقوبات الثانوية من قبل الولايات المتحدة؛ وهذه العقوبات، في كثير من الأحيان، على سبيل المثال في حالة سورية، يتم تطبيقها خارج الحدود الإقليمية؛ وللمفارقة، إذا نظرنا إلى الإرشادات الخاصة بإيصال المساعدات الإنسانية، الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، في بداية كانون الثاني 2020، فإنهم يقولون صراحة أن الاتحاد الأوروبي يعارض بشدة تطبيق العقوبات خارج الحدود الإقليمية، وكذلك تطبيق عقوبات ثانوية. ومن وجهة نظر القانون الدولي، لا شيء يمكن أن يسمح للدول بتطبيق سلطتها القضائية على شخص آخر خارج أراضيها، ومعاقبة شخص ما لدخوله التجارة مع شخص آخر تمت معاقبته بالفعل، ونتيجة لذلك بدأ الناس يشعرون بالخوف.. كانت إحدى الرسائل الرئيسية التي أرسلتها المنظمات الإنسانية، خلال مشاورات الخبراء، التي أجريتها في تشرين الأول 2020، ما يلي: “الخوف من العقوبات – كما يقولون اليوم – يضر أكثر من العقوبات نفسها”. الجميع خائفون من أن يُدرجوا في القائمة غداً، أو بعد يومين.. هكذا بالضبط هو الحال في سورية!!

 

الخوف من العقوبات الثانوية

وتقتبس دوهان، مرة أخرى، من مقال لصحيفة “نيويوركر” في نيسان 2020، أنه “على الرغم من أن وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لم يعد لديهما موظفون في سورية، إلا أنهما لا تزالان يحددان كيفية إنفاق غالبية التمويل الأجنبي هناك”. وينقل المقال عن مسؤول كبير في المجال الإنساني: “بات هناك إجماع بين المانحين على أننا لن نقوم بإعادة الإعمار في سورية..”!!

وتعاود دوهان التركيز: “الجميع خائفون من المشاركة في أي عمليات إعادة إعمار، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على الشعب نفسه. ونظراً لحقيقة أن الدولار الأمريكي يستخدم في المدفوعات، لا يوجد مانح ولا شركة مستعدة للتواصل مع الدولة السورية بسبب الخوف من العقوبات الثانوية، لذلك تُرك الشعب السوري بمفرده داخل سورية، ولهذا أطالب برفع العقوبات، لأن هناك وسائل مختلفة للتسوية السلمية للنزاعات الدولية. هناك نوع من الآليات القانونية التي يمكن استخدامها في هذا المجال. علاوة على ذلك، لا يسمح ميثاق الأمم المتحدة بتطبيق أي عقوبات أحادية الجانب. وبطبيعة الحال، هناك اتفاقيات دولية، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذه الأخيرة الولايات المتحدة ليست عضواً فيها”.

هناك نقطة أخرى من المهم جداً أخذها في الاعتبار – تتابع دوهان – وهي أنه حتى بعد عقد من العقوبات التي فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في التسعينيات، كان هناك عمل هائل تم إنجازه داخل الأمم المتحدة، والذي حدد الأثر الإنساني لتلك الحقوق القانونية تماماً. كانت العقوبات هائلة أيضاً. وبالتالي بدأ مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات مستهدفة نتيجة لذلك. وإذا قارنا نطاق العقوبات التي فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتلك التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، فإن الاختلاف كبير.

لذلك، أدعو دائماً إلى استخدام القواعد الموجودة بالفعل في القانون الدولي، وعلاوة على ذلك، إلى عدم نسيان مبدأ الإنسانية.. وفقاً للقانون الدولي، تلتزم كل دولة بالعمل بموجب القانون الدولي أولاً، ومراعاة حقوق الإنسان ثانياً، بغض النظر عما إذا كانت الدولة تعمل داخل الدولة أو خارجها.

وانتقلت دوهان لتسلط الضوء على ما كان يتم مناقشته مع العاملين والخبراء في المجال الإنساني، وتؤكد أن جميع العاملين في المجال الإنساني ركزوا على الطابع المعقد للعقوبات؛ ونحن حين نتحدث عن سورية، فإننا نعني العقوبات الأمريكية، وعقوبات الاتحاد الأوروبي، وبعض العقوبات الأخرى، والمانحون لا يعرفون بصراحة حتى المكان الذي يجب أن يتقدموا فيه للحصول على التراخيص الإنسانية، أو لربما يتقدمون بطلباتهم إلى جميع الأماكن. ثانياً، المانحون قلقون للغاية وهو يقولون إنهم مستعدون لدعم عمل المنظمة، لكنهم يخشون أن أموالهم ستذهب إلى غير البلد الذي يخضع لعقوبات. النقطة الثالثة تتمثل في حقيقة أن جميع الدول التي تفرض عقوبات، أو مجموعات العقوبات، تضع عبء الإثبات على المنظمات الإنسانية نفسها. لذلك يجب أن تثبت المنظمة الإنسانية الغرض الإنساني!! وبطبيعة الحال، هم متوترون، إنهم لا يعرفون إلى أين يذهبون، وهم لا يعرفون بمن يتصلون..وعليهم إعداد تقارير للجميع!!

 

مقارنة مع العقوبات على العراق

تذكر دوهان أنه، في التسعينيات، فرضت الولايات المتحدة عقوبات شديدة على العراق. وعلى الرغم من أنه، في ذلك الوقت، كان هناك ما يسمى “برنامج النفط مقابل الغذاء”، الذي وافقت عليه الأمم المتحدة – والذي يمكن للعراق من خلاله بيع بعض نفطه مقابل شراء سلع إنسانية – كان هناك تأثير كارثي للعقوبات على الشعب العراقي، لدرجة أن اثنين من منسقي الأمم المتحدة لهذا البرنامج استقالوا قائلين إن العقوبات كانت في الأساس إبادة جماعية. وهنا، توضح الخبيرة الأممية أنه نتيجة العقوبات على العراق وصل التضخم إلى مائة مليون في المائة، وارتفع عدد الوفيات بشكل كبير، بما في ذلك وفيات الأمهات ووفيات الأطفال حديثي الولادة., كانت هناك دراسة قام بها عدد من المنظمات الإنسانية غير الحكومية في العراق، وإذا لم أكن مخطئة، فإن عدد الأطفال الذين تجاوزوا الخامسة من العمر، والذين ماتوا في غضون 10 سنوات، كان فوق النصف مليون، بسبب استحالة الحصول على الطعام، واستحالة إمكانية الحصول على علاج طبي، واستحالة التطعيم.

 

خاتمة

وأخيراً، تختم ألينا دوهان بمقارنة تأثير العقوبات وتأثير الحرب التي استمرت 10 سنوات على السوريين: اليوم، يمكن أن يكون تأثير العقوبات الأحادية الجانب على الشعب السوري معادلاً إلى حد كبير لتأثير الصراع نفسه، صحيح أن الصراع أثر على نسبة كبيرة من السكان، لكن العقوبات أثرت على السكان ككل. لكن بشكل عام، عندما نتحدث عن المساعدة الإنسانية، نحتاج إلى أن نأخذ في الاعتبار جانبين: أولهما أنها ليست كافية، فبعض المنظمات الإنسانية تواجه مشاكل هائلة في الحصول على تراخيص لإيصال هذه المساعدات الإنسانية، والنقطة الثانية أن علينا أن نأخذ في الاعتبار، وفقاً للقانون الدولي، أن هذه مسؤولية أساسية للدولة لضمان تنمية سكانها وتلبية احتياجاتها الأساسية، وإذا كانت العقوبات تمنع، على سبيل المثال، إعادة بناء صناعة النفط، أو بناء البنية التحتية الطبية – شراء الأدوية أو شراء السلع الطبية – فهذا يعني أن الدولة ممنوعة من أداء واجبها في ضمان حقوق هؤلاء السكان.