د. الشعيبي يحاضر حول نمط التفكير الأمريكي في عهد الرئيس بايدن
برؤية تحليلية وبلغة لانمطية قدم د. عماد فوزي الشعيبي محاضرته ضمن سلسلة فعاليات اللجنة الشعبية السورية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومة المشروع الصهيوني بعنوان “نمط التفكير الأمريكي في عهد الرئيس الأمريكي بايدن –العالم والمنطقة” في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- بحضور د. خلف المفتاح وعدد من النخب، اعتمد فيها على التحليل وقراءة الأحداث من المطبخ الأمريكي وطرح تساؤلات تدور في الأذهان، بعضها ينتظر الإجابة، وأخرى صادمة.
تيار ترامب لم يكن تياراً شخصياً يعبّر عن نفسه، وإنما كان يمثل عدداً من التيارات، ويكاد يمثل نصف الشعب الأمريكي، الذي انتخبه ما يشكّل تياراً جارفاً وله جولة، فإذا كان البعض يتصوّر أن ترامب قد ذهب، فإن التيار الشعبوي ينداح بالعالم وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية، حسبما يؤكد الشعيبي، والذي يتساءل: نحن الآن أمام انقلاب لانمطي، والدولة العميقة انتصرت، ولكن هل انتصرت بشكل نهائي؟ قطعاً لا، انتصرت بجولة ومقولة ترامب قبل أن يرحل “سنعود بشكل أو بآخر” صحيحة، ويؤكد: “في ظل مرحلة ما بعد الحداثة، تبنت الولايات المتحدة الأمريكية الفوضى العمياء، فوضى غير قابلة للعودة، وتيار المحافظين الجدد تيار فلسفي تبناه فلاسفة كبار في الولايات المتحدة الأمريكية يرون بأن طبيعة الأشياء تتجه نحو الفوضى العمياء، وبدأ هذا التيار يشتغل بمعنى أن حالة الاندياح التي تحدث هذا النموذج من العماء يمكن تقبله”.
القوة والاقتصاد
ويعود د. الشعيبي إلى ترامب والخلاف مع الدولة العميقة، التي ترى أن القوة دعامة الاقتصاد فدون قوة لا وجود لاقتصاد، بينما يرى ترامب بأن الاقتصاد يتم بالتلميح بالقوة وبأن ثلثي القوة التلميح، والدولة العميقة كانت قد اتخذت قراراً بوجود تيارات إسلاموية تطحن بعضها، معتدلة تقاتل التيارات المتشددة وبالتالي يضعف الطرفان، بينما قرار ترامب كان” لانريد قوة إسلاموية في هذه المنطقة، نريد إسلاماً مشابهاً للإسلام ما بعد سقوط الدولة العثمانية ضعيفاً مفككاً”، ويضيف: اليوم انتصر هؤلاء بجولتهم، ومؤشرات هذه المرحلة هي عدم تعيين مروحة واسعة من الخيارات المتناقضة في ثلاثة تيارات، الأول متشدد جداً ويعتمد على المزيد من القوة، والثاني بيني يرى استخدام ذلك مع بعض الخيارات السياسية، التيار الثالث واقعي يريد أن يتعامل بلغة السياسة الواقعية المنتمية إلى مرحلة الحداثة لما يعود بالزمن إلى الوراء، ويريد بهذه الحالة أن يتعامل مع الدول وأنظمتها وفق سياسة المصالح، وهو الأضعف.
جمع المتناقضات
ويرى الشعيبي بأننا أمام ثلاثة تيارات متناقضة في حالة عدم تعيين، ميزتها أنها تعطي للرئيس بايدن بأن يختار في كل مرة أن يميل إلى تيار من التيارات، أو ما نسميه في السياسة جمع المتناقضات، ومساحة السلوك السياسي البيني وللخيار، وهو قاعدة ذهبية في السياسة مفادها “بأن لا تضع نفسك في خيار واحد، بل خيارات عدة متناقضة واسعة”، ويمكن من خلالها أن يقدم لنفسه ولمصالحه، وتابع: لاتوجد سياسة واضحة للولايات المتحدة الأمريكية، ولا تستطيع أصلاً أن تكون لها سياسة واضحة في هذه المرحلة، فهنالك تحديات كورونا، وأوضح: مكر التاريخ حينما يأتي الحدث من خارج الصندوق، أثر الفراشة الذي يغيّر المشهد بأكمله، وهذا حدث كثيراً بالتاريخ، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة ترامب كانت في حالة صعود، وفي مرحلة أوباما مرحلة أفول، وكان أوباما والتيار الواقعي بالدولة العميقة ينظم الأفول، والأفول لا يعني النهاية، فالولايات المتحدة الأمريكية جراء قطاعها الاقتصادي المتردي كانت تنظم الأفول ليحدث بعده صعود، جاء ترامب يصعد (بالبلطجة) لكن هذا لا يبني اقتصاداً بالمعنى الحقيقي يبني فرص عمل. وهذا يفيد شعبوياً لكن لايفيد قوى الاقتصاد.
ويضيف الشعيبي: ثمة مسائل كبرى تطرح في الداخل الأمريكي هي بمثابة ثقالة تجعل سفينة الولايات المتحدة الأمريكية راسية غير قابلة للتحرك، بنى تحتية مترهلة، ضمان صحي بحالة إشكال، إعادة الصناعات في القطاعات التي لاتستدعي الطاقة البترولية، لاسيما ما طرحه بايدين من البداية “نريد أن نجعل أمريكا الدولة الأولى التي تنتج السيارات العاملة على الكهرباء”، والتساؤل: ماذا ستفعل مع قطاع النفط، ومكون النفط مكون أساسي في الدولة العميقة، وهل سيتم تعويض هذا القطاع من أماكن ودول صاعدة؟. ويؤكد: الشركات التي تحولت إلى شركات “ترامبز ناشونال” عابرة للقوميات، شبكاتها ومصالحها مستندة إلى القوة الأمريكية الذاتية، وكانت بعد الحرب العالمية الثانية منغلقة على نفسها، هذه الشركات بعالم مابعد الحداثة توطنت بالخارج شرق آسيا وأصبحت تصدر للولايات المتحدة الأمريكية، التي إذا فقدت مصدر قوتها الذاتي العسكري والاقتصادي ماذا يمكن أن تفعل الدول المستضيفة للشركات العملاقة الأمريكية المتوطنة في بلدها، إما يحدث تضامن وتعايش وإما تنشأ صراعات. ويتساءل: هل سيميل بايدن لتغيير الإستراتيجية التي طرحها ترامب وهي اعتبار الصين العدو الأول؟ وروسيا صديق، أم هل سيعتبر أن روسيا عدو تجب مواجهته أولاً ومهادنة الصين ثانياً، وهي سياسة أوباما؟ ويشدد الشعيبي: كل الأدبيات التي أقرؤها من مراكز الأبحاث الأمريكية تجعلني اتساءل:هل سيذهبون إلى حرب إغراق روسيا بالمنطقة كما يقولون؟ وما مدى فعل استمرار الصراعات التي أخذت فيها روسيا؟
وبلغة العقل البارد -كما ذكر الشعيبي- ينتقل إلى المنطقة ووجود الكيان الإسرائيلي، وهو ضرورة غربية بريطانية لاستنزاف المنطقة، مشيراً إلى أن الغرب يحاول حرمان سورية من أن تكون الفتحة الوحيدة الأساسية على البحر، أي على طريق الحرير، ويضيف: العنصر الأهم هو المسكوت عنه لسنين طويلة الثروات الموجودة في الداخل وثروات البحر. لذلك نشأت “صفقة القرن” لأنه لايجوز إقامة استثمارات بمنطقة مشتعلة، وكل ماحدث من تطبيعات يسبق التنفيذ الصفقة. ليطرح الشعيبي تساؤلاً: الأمريكي موجود بالمنطقة فهل ينتهي الدور الوظيفي للدولة العنصرية؟ هل يستطيع أن يخطط بايدن لتغيير مساره وكيف سيتعامل مع الدولة العميقة المتكلسة؟ وبرأي الشعيبي لن يستطيع.
فلسفة عميقة
وحظيت المحاضرة بمداخلات عدة أهمها ماتحدث به د. خلف المفتاح ومناقشته مصطلح “دولة عميقة” ويرى أنه في أمريكا فلسفة عميقة، يعبّر عنها أحياناً بدولة عميقة، فهناك دولة مؤسسات وكونغرس وبينتاغون وقوى تدفع لمركز القرار من خلال ما أسماه الشعيبي الدولة العميقة، فالمفهوم قد لايفهم بالسياق الذي قصده، لذلك نركز على التسمية بفلسفة عميقة، كما توقف عند المصالح القومية للدول على مستوى العالم من مفهوم الأمن القومي وليس من مفهوم السيادة، ونحن اليوم أمام منطق جديد في العالم.
ملده شويكاني