خارج السّمت
أمين إسماعيل حربا
عندما نتأمّل النشاطات في المراكز الثقافيّة الرسميّة يلفت انتباهنا للتوّ خلوّها تماماً من الوجوه الثقافيّة الحقيقيّة والفاعلة في الوسط الثقافيّ، ولو تساءلنا عن سبب عزوفهم عن ارتيادها، وتابعناها باهتمام وعن كثب لتبيّن لنا أنّ أحد أهمّ الأسباب هو غياب السّمت الّذي جعلها تراوح ما بين التعثّر والارتباك. فحين تتمّ دعوة أيّ شاعر للمشاركة بإحياء أمسية شعريّة في أحد المراكز الثقافيّة الرّسميّة للمرّة الأولى، ينتابه شعور بالرهبة وكأنّه سيدخل مكاناً مقدّساً. كيف لا وهو من كان يعتقد بقرارة نفسه أنّ من يعتلون منبر هذا الصرح العظيم يجب أن يكونوا من فطاحل الشعراء المتمكّنين من ناصية اللغة العربيّة، وأنه قد تمّ تمييزه عن غيره عند دعوته، وكم يكون شعوره بالغبطة والفخر عارماً عندما يسمع التصفيق الحارّ من الجمهور.
هذا الجمهور الّذي يكون عادة متوسّط العدد، لكنّه يخمّن حينها أنّهم نخبة مثقّفي المدينة، وهذا ما يعطيه الشعور التام بالرضا عن نفسه. وكم يكون شعوره بالمفاجأة كبيراً عندما يتبيّن له لاحقاً أن هذا الجمهور مكوّن ممّن يتمّ حشدهم مكرهين من موظفي المركز الثقافيّ نفسه ومن موظفي بعض الدوائر الرسميّة الأخرى للحضور والتصفيق للإيحاء بأنّ الحياة تدبّ في أرجاء المكان، ولا يخلو الأمر من حضور بعض المتقاعدين وكبار السنّ ممّن يتردّدون على مثل هذه الأماكن لتعبئة فراغهم القاتل وبعض أصدقاء من سيقومون بإحياء هذه الأمسيات ممّن حضروا بعد إحراجهم من قبل المشاركين بها.
وعندما تتمّ دعوته لإحياء أمسية شعريّة في أحد المراكز الثقافيّة بالعاصمة، يلبّي الدّعوة رغم المعاناة الشديدة بالنسبة لأجور السفر والمأكل والمشرب والمنامة، تدفعه رغبته بالتواصل مع جمهور مختلف وأوسع، والتعرّف على بيئة أخرى، وسعيه لشهرة لم يكن يمتلكها في حينها، وبعد وصوله للمركز المقصود وانتهاء الترحيب وبانتظار اعتلائه المنبر، يفاجأ أن الأمسية ستقام بمكتب الإدارة وأن الجمهور هم المدير وبعض الموظفين ومن حضروا معه من الشعراء لإحياء الأمسية، وأنّ الحال في المراكز الثقافيّة في العاصمة ليس أفضل من غيره.
ولا بدّ من التنويه هنا إلى حال معظم الأمسيات الشعريّة الفرديّة والفعاليّات الثقافيّة المشتركة ما بين هذه المراكز الثقافيّة الرسميّة وبعض التجمّعات الأهليّة الّتي تحمل لواء الثقافة بالاسم لكنّها لا تمتّ لها بأيّة صلة، والّتي تقام من خلال بعض المصالح والعلاقات الشخصيّة الضيّقة والخاصّة للإيحاء بوجود حراك ثقافيّ حقيقي، وبدل أن تكون العلاقة بينهما علاقة رافد يصبّ في محيطه الطّبيعيّ، انقلبت لعلاقة تثير القلق وتدور حولها علامات الشبهة وإشارات الاستفهام.
والطامّة الكبرى حين يقوم من تتمّ دعوتهم للمشاركة في إحياء هذه الفعاليّات في المراكز الثقافيّة الرسميّة بنشر فيديوهات مشاركاتهم على صفحات التواصل الاجتماعي ويتضح مستوى ما يقدّم على صعيديّ الشعر واللغة العربية وكم هما في حالة مؤسفة وبائسة…. ألا يجب علينا أن نتساءل أين هم أولو الشأن من كلّ هذا؟.