في ذكرى تأسيسها الرابعة والسبعين.. إذاعة دمشق نبض الشرق
ألقى الإعلامي عدنان بكرو مؤخراً في المركز الثقافي بالميدان محاضرة عن إذاعة دمشق، أعرق وأقدم الإذاعات العربية وإذاعات الشرق، وقد لَعِبَت عبر الزمن دوراً معرفياً وريادياً على جميع المستويات. وبيّن بكرو أنه في الرابع من شباط من العام 1947 قالها لأول مرة الإعلامي يحيى الشهابي: “هنا دمشق إذاعةُ الجمهوريةِ العربية السورية”، فانطلقت “هنا دمشق” مدويّةً في الآفاق لتكون منارة فكرية ساهمت إلى حدّ كبير في بثّ القيم الفكرية والثقافية والاجتماعية، وإيصال الرسالة المرجوة منها في شتى ألوان الفنون.
منارة لجميع الأصوات
وتحدثَ بكرو عن بدايات الإذاعة السوريّة وعن إرسالها الضعيف الذي كان لا يتعدّى مساحة أحياء دمشق، وعن برامجها التي كانت تُبثّ على الهواء مباشرة، وكيف عانى الروّاد كثيراً وكانوا أبطالاً جعلوا من إذاعة دمشق قبلة كل الأقلام ومنارة لجميع الأصوات الغنائية ومقصداً للأدباء والشعراء والمبدعين، فأضحت مؤسّسة معرفية، مذكّراً بالأيادي البيضاء التي ساهمت في تأسيسها، ويأتي في المقدمة الشاعر والأديب والإعلامي والموسيقي فخري البارودي، ونشأت التغلبي، ويحيى الشهابي، وعادل خياطة، وسامي جانو، وخلدون المالح، وعبد الهادي البكار، وعبلة الخوري، وفؤاد شحادة، وإلى جانبهم عدد كبير من المخرجين والمعدّين والأدباء كشاكر مصطفى، خليل هنداوي، سامي الدروبي، نجاة قصاب حسن، صباح قباني، وجيلٌ آخر من المذيعين الروّاد أمثال فردوس حيدر، نجاة الجم.. وغيرهما، موضحاً أن من أرسى دعائم الإذاعة السورية كما روى صباح قباني هو أحمد عسة الذي استقطب المواهب والطاقات المبدعة والجيل الأول من الممثلين الروّاد، وكان مديراً عاماً للإذاعة السورية، وهو الذي وجّه بتشكيل أول فرقة موسيقية متفرغة فقط للإذاعة والتلفزيون كانت تضمّ أبرز الموسيقيين أمثال عمر النقشبندي، ياسين العاشق، ميشيل عوض، عبود عبد العال، ثم انضمّ إليهم سليم سروة وعبد الفتاح سكر، كما وجّه في مطلع الخمسينيات بإصدار مجلة الإذاعة السورية التي تحوّلت فيما بعد إلى مجلة “هنا دمشق” والتي استقطبت أبرز رجالات الفكر والأدب والصحافة.
منها انطلق فنانون عرب
وأشار بكرو إلى أن إذاعة دمشق استطاعت أن تستقطب الفنانين العرب الذين سطع نجمهم واشتهروا عبرها، ومن أبرزهم الرحابنة وفيروز، وذلك بعد أن خصّص لهم يحيى الشهابي فترة أسبوعين على الهواء من بثها، وكانت أول إطلالة للرحابنة عبر أغنية عتاب وأغنيات شعبية وبعض الاسكيتشات، وما زال أرشيفها يضمّ معظم أعمالهم التي انطلقوا منها إلى مسرح معرض دمشق الدولي، حيث كانوا في كلّ موسم يجهزون عملاً غنائياً لدمشق وفاءً منهم ولردّ الجميل، منوهاً بأن عاصي الرحباني أقام حفلة خطبته على فيروز في استديو الموسيقا بإذاعة دمشق، كما طلب الرحابنة من الإعلامي الشهابي موفداً من الإذاعة السورية لتعليم فيروز اللهجة الشامية في الأغاني الشعبية التي سجلتها، وتمّ إيفاد المطرب معن دندشي لهذه المهمة، مبيناً أنه ومن هذه الإذاعة اشتهر وديع الصافي، عبد الحليم حافظ، نهاوند، نجاح سلام، سعاد محمد، فايزة أحمد، وآخرون، ومن المطربين السوريين انطلق منها رفيق شكري، نجيب السراج، عدنان قريش، فتى دمشق، سهام رفقي، ثم انضمّ إليهم صباح فخري، محمد خيري، فهد بلان، كما نجحت إذاعة دمشق في بث المونولوجات وخصّصت لها فقرات على الهواء، وكانت تُقدّم لوحات ساخرة وناقدة برع فيها سلامة الأغواني وعبد الله المدرس، أما الدراما الإذاعية فقد كان لها دور كبير -برأي بكرو- في تشكيل الوعي الفكري والثقافي، وتصدّى لهذا الجانب القصاص الشعبي حكمت محسن إلى جانب جيل الروّاد ونجوم الدراما السورية أمثال دريد لحام، نهاد قلعي، عبد اللطيف فتحي، تيسير السعدي، فهد كعيكاتي، أنور البابا، وكانت تُقدّم هذه الأعمال على الهواء مباشرةً دون تسجيل، في حين كانت الأسر السورية تتابع في شهر رمضان المبارك الإذاعة في جميع برامجها لأنها كانت الوسيلة الترفيهية والثقافية الوحيدة حينذاك، وكانت تضجّ بالأعمال والإنتاجات المميزة من برامج منوعة ومسابقات، وكان معظم الناس في الأرياف ينتظرون الإفطار على صوت إذاعة دمشق. كما توقف بكرو في حديثه عن إذاعة دمشق عند أبرز وأهم البرامج الخالدة في الأذهان كبرنامج “مرحباً يا صباح” الذي كانت تقدّمه نجاة الجم ومنير الأحمد، وبرنامج “ما يطلبه المستمعون” للإعلامية فردوس حيدر، وبرنامج “حكم العدالة” لنجاة قصاب حسن، وبرنامج “مجلة الإذاعة” الذي بدأ مع الإعلامي فؤاد شحادة ولا يزال حتى اليوم. أما في مجال الموسيقا فقد أشار بكرو إلى أن الإذاعة استقطبت كبار عمالقة الطرب والموسيقا العربية، حيث زارها الموسيقار محمد عبد الوهاب والملحن بليغ حمدي وآخرون، وقدّمت من الملحنين السوريين: محمد محسن، عبد الغني الشيخ، عزيز غنام، عمر النقشبندي، سهيل عرفة، عبد الفتاح سكر.. وغيرهم.
كنوز أرشيفها
ولأن إذاعة دمشق معروفة بأرشيفها الذي يحوي كنوزاً من البرامج والتمثيليات والأغنيات النادرة، أسف بكرو لأنها مهمَلة ولم ترَ النور حتى اليوم، فهناك الكثير من أعمال فيروز ومسرحياتها غير موجودة إلا في الإذاعة، مع حفلات أم كلثوم المسجّلة في مسرح مدرسة اللاييك وفي حلب وحمص، وأعمال غنائية لعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وحفلات أضواء المدينة والكثير من الأعمال الموسيقية والمقطوعات والاسكتشات النادرة التي ما زالت حبيسة الرفوف، وهي نسخ وحيدة وفريدة ولكنها لم تُستثمر ولم تؤرشف بشكل لائق.
وختم الإعلامي عدنان بكرو كلامه بالتأكيد على أن إذاعة دمشق تطوّرت مع الوقت وتطور إرسالها وأصبحت تصل إلى جميع أنحاء العالم، واليوم تبثّ إلى أميركا اللاتينية وباللغات الألمانية والفرنسية والإنكليزية، وما زالت تحافظ على برنامج “صوت فلسطين من دمشق”.
يُذكر أن عدنان بكرو عمِل في هذه الإذاعة في مطلع الثمانينيات وقدّم فيها العديد من البرامج مثل “ليالي الطرب، أنغام سوريّة، نجوم الملاعب، مواكب النغم، الركن الثقافي، ساعة ع الهوا، مجلة الإذاعة”، ونال جوائز في العديد من المهرجانات العربية والدولية، كما في مهرجان الإذاعة العاشر في طهران عن برنامجه “شمس الزمان”، وجائزة من اليونيسكو واتحاد آسيا للإذاعات ومهرجان طهران الدولي.
أمينة عباس