سلطة انتقالية جديدة.. ليبيا لا تغادر مربع “الوصاية الأردوغانية”!
دخلت ليبيا السبت مرحلة انتقالية جديدة غداة انتخاب سلطة تنفيذية مؤقتة وموحّدة يتعيّن عليها تشكيل حكومة والتحضير للانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في كانون الأول لإنهاء عقد من الفوضى، لكن لا يبدو أن ليبيا ستغادر قريباً مربع “الوصاية الأردوغانية” التي رسختها تفاهمات واتفاقيات عسكرية وأمنية مع ميليشيا “الوفاق” وتدخلاً عسكرياً أضفى مسحة من الاحتلال المغلّف بمنطق “بطلب من الشعب الليبي”، فكل التصريحات التي أعقبت الإعلان عن سلطة انتقالية تشمل حكومة ومجلساً رئاسياً مكلفان بتسيير شؤون “دولة”، لا تملك في الوقت الراهن مقومات الدولة، تشير إلى أن المشهد السياسي تغيّر لكن الوضع لم يتغيّر.
ففي أول تصريح له عقب انتخابه رئيساً لحكومة انتقالية قال عبدالحميد دبيبه، وهو رجل أعمال اشتغل بالسياسة: “إنه سيكون هناك تضامن بين تركيا وليبيا”، مضيفاً في حوار مع وكالة الأناضول الناطقة باسم نظام أردوغان: “لدينا تضامن كبير مع الدولة والشعب التركيين، تركيا حليفة وصديقة وشقيقة وعندها من الإمكانيات الكثيرة لمساعدة الليبيين في الوصول إلى أهدافهم الحقيقية. وتركيا تعتبر من الشركاء الحقيقيين لنا”، حسب تعبيره.
وسبق تصريحات دبيبه، تأكيد نظام أردوغان على أن وجوده العسكري في ليبيا والتفاهمات والاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي أبرمها مع “الوفاق” لن تتأثر بانتخاب السلطة المؤقتة الجديدة، مؤكداً أن الحكومة الجديدة “تدعم الدور التركي” في ليبيا.
وقال ياسين أقطاي مستشار أردوغان: “تركيا تتواجد في ليبيا بدعوة من الشعب الليبي وحكومة الوفاق، والحكومة الجديدة لا تعارض هذه الاتفاقيات ولا الوجود التركي في البلاد، بل على العكس تدعم الدور التركي هناك”، حسب زعمه.
وتتناقض تصريحات أقطاي مع الدعوات الدولية، وآخرها تلك التي صدرت قبل أيام عن مجلس الأمن الدولي، الذي طالب بسحب جميع القوات الأجنبية من ليبيا، في إشارة تحديداً إلى نظام أردوغان، الذي ألقى بثقله العسكري دعماً لميلشيا “الوفاق” في مواجهة هجوم شنه الجيش الوطني الليبي في نيسان 2019، قبل أن تفضي الجهود إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وهو الذي أسس لمسار سياسي انتهى باختيار حكومة انتقالية للتحضير لانتخابات عامة (تشريعية ورئاسية) قبل نهاية العام الحالي.
وزعم أقطاي “أن الشعب الليبي يتبنى الرؤية التركية”، رغم أن التدخل التركي كان سبباً في تأجيج الانقسامات والصراع المسلح الذي لم يهدأ إلا قبل فترة قصيرة مع جهود أممية وجهود دول الجوار لدفع طرفي الأزمة إلى حوار سياسي ينهي الأزمة.
وحتى بعد التوصل إلى حكومة مؤقتة، يبدو الوضع هشاً على الرغم من التصريحات المغرقة في التفاؤل، فليبيا تقف على رمال متحرّكة سواء بسبب التدخلات التركية، أو بسبب الميليشيات الإرهابية التي سلّحها نظام أردوغان على مدى سنوات سراً وعلانية.
وستواجه الحكومة الانتقالية صعوبات كبيرة لحصر السلاح بيد الدولة واستعادة هيبتها في ظل وجود تلك الميليشيات التابعة لأردوغان.
ويبدو أن تصريح مستشار أردوغان، التي قال فيها: “إن الوجود العسكري التركي لن يتأثر بانتخاب الحكومة المؤقتة”، نابعة من تقدير أساسه أنه بات لنظامه أذرع قوية في غرب ليبيا تشكّل رقماً صعباً في المعادلة السياسية برمتها.
ويزعم نظام أردوغان أنه مع وحدة واستقرار ليبيا، بينما فجّر تدخله عسكرياً، وإبرامه اتفاقيات أمنية وعسكرية مع الحكومة السابقة، توترات على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، حيث يرفض شق واسع من الليبيين التواجد العسكري التركي، ويعتبر الاتفاقيات مع حكومة السراج باطلة قانونياً لأنها لا تمثل كل الليبيين.
كما ندّدت دول عربية بالتدخل التركي وبالاتفاقيات واعتبرتهما تهديداً للأمن القومي العربي، فيما انتقدت دول غربية الأمر باعتباره يتناقض مع القانون الدولي وقانون البحار الدولي، لكن أقطاي زعم: إن “الاتفاقيات التي أبرمتها تركيا مع حكومة الوفاق الليبية هي اتفاقيات دولية ولن تتأثر بمواقف الحكومات الأخرى”!.
وقفز مستشار أردوغان على حقيقة أن التدخل التركي في ليبيا قد يقوّض العملية السياسية، محاولاً الترويج إلى أن “بعض القوى تسعى لسلب ليبيا من الليبيين وعدم تركها لهم كما فعلت سابقاً، وعلى الليبيين أن يكونوا حذرين أمام هذه القوى”!.
وكان أردوغان قد أكد في اتصال هاتفي، هنأ فيه محمد المنفي فيه بفوزه برئاسة المجلس الرئاسي وعبدالحميد دبيبه لفوزه برئاسة الوزراء، “أن بلاده ستواصل تعزيز التعاون مع ليبيا خلال المرحلة الجديدة”، فيما قال رئيس الحكومة الانتقالية: “تركيا فتحت مطاراتها ولم تغلق سفارتها في طرابلس وأعتقد أن حرية التنقل سوف تنعكس على التعاون بين الشعبين في مجال الاقتصاد. ونأمل أن ننمي هذا التعاون ونرفع حجم التبادل التجاري إلى أعلى المستويات”.
ورئيس الوزراء الليبي الجديد بعيد كل البعد عن الإجماع، كما كان قريبه دبيبة، وهو أيضاً رجل أعمال، رهن تحقيقات في ليبيا وأماكن أخرى بتهم الاختلاس.