تحقيقاتصحيفة البعث

لضبط الأسواق.. دور رقابي أكثر فاعلية وسلوك مجتمعي يلتزم بالقوانين

منذ أيام وبعد الكمّ الهائل من الوعود الرسمية ومحاولات تبديد المخاوف من حدوث التضخّم بفعل طرح ورقة العملة من فئة الخمسة آلاف ليرة سورية الجديدة، فوجئ المواطن مجدداً بحالة من غليان الأسعار ترافقت مع تبدل وارتفاع طفيف في أسعار السوق السوداء بضعة ليرات سورية، لنشهد تبدلات تُقدّر بآلاف الليرات على أبسط الحاجيات والبضائع والخدمات!.
فروقات كبيرة..؟
لدى استطلاعنا واقع حال السوق في منطقة المزة 86 بدمشق فوجئنا بالازدحام الشديد والكمّ الهائل من المواطنين الباحثين عن كمية تسدّ الرمق من الأرز أو الشاي، أو المنظفات أو حفاضات الأطفال، على السعر القديم لدى بعض الباعة الذين قلّ نظيرهم في أسواقنا للأسف الشديد، ولكن الغريب أن الموظف العام كعادته يدفع وحده ضريبة التضخّم وتضخمات وتراكمات هذا التضخم في الأسواق.

أحد باعة المنظفات أعلمنا أن التاجر لم يعد يعترف بالمبالغ والفروقات البسيطة التي تطرأ على سعر الصرف بعشرات أو مئات الليرات، وإن أي تغيّر بسعر الصرف حتى لو كان بمقدار ليرة سورية سيفتح لدى السوق ارتفاعاً إلى مستوى جديد لا يقلّ عن خمسمائة ليرة سورية دفعة واحدة، ولا نعلم أية نظرية اقتصادية هذه؟!.. والكل منهم يردّد عبارة (أي شو بتعمل الـ500 ليرة؟.. ثمن بسكوتة)!!.

ولدى سؤالنا عن أسعار المواد لاحظنا أن كل الباعة باشروا البيع على السعر الجديد فوراً، حتى أن التّجار أوقفوا توريد البضائع لهم منذ أن طُرحت فئة العملة الجديدة تخوفاً من تعرّضهم لخسائر أو تضخمات، ومع ذلك فإن هذا السعر الجديد مختلف، فنصف كيلو المحارم من ماركة الكرزة على سبيل المثال كان يباع بـ2100، أو 2200، أو 2300، أو 2400، أو 2500 في بضعة محال المسافة بينها لا تتجاوز المئتي متر وفي الحي نفسه، مع العلم أن سعر المادة نفسها قبل يوم واحد فقط كان من 1650-1850 أيضاً حسب الحالة المزاجية للبائع!.
أسباب مختلفة
بائع آخر نفى وجود أية علاقة للتضخم أو حتى الجشع بالأسعار الجديدة، وعرض علينا رسالة من تاجر عبر الواتساب تتضمن ألفاظاً حماسية، وتندّد بحصار قيصر، وتعلمه أن هناك زيادة في أجور الشحن والعمولات والسعر العالمي للمواد من المصدر، وغيرها من الديباجات التي سمعناها وسنسمعها أكثر على ما يبدو، مع العلم أن أسعار الغذاء عندما انخفضت عالمياً في بداية موسم كورونا بنسب كبيرة لم تنعكس عليناً إيجاباً في حينه، بل على العكس شاهدنا في حينها ارتفاعات كبيرة لأسعار جميع المواد الغذائية.
أحد أصحاب البقاليات المتاجرين بمادة الخبز كان في بداية موسم الكورونا يحضر الخبز على دراجة هوائية استبدلها بدراجة نارية وحالياً لديه سيارة. صحيح أن مخصّصات الخبز تمّ تقليلها، ولكن الجميع يحصل على الخبز، وبطريقة مختلفة، وسعر مختلف وانتظار مختلف، أما الموظف كعادته فيقوم ببيع أعز مقتنياته لتأمين قوت يومه، وعند قيامه بالبحث عن مورد جديد يدعم معيشته يعود ليحجم عنه بحثاً عن الكسب الحلال، وعن ضمانة الوظيفة التي لا توفرها قواميس العمل الحر، أو القطاع الخاص.
فيما رأى أحد ممن التقيناهم أن التراخي من قبل الجهات الحكومية، وسوء الأوضاع الاقتصادية هو ما يجعل الناس تنهش بعضها البعض، على حدّ تعبيره، ليتمكنوا من مقاومة هذا الوضع الذي تصبّ فيه أغلب الأموال في جيوب التجار والفاسدين والمحتكرين، وبهذا سنجد الطمع مبرراً لدى البقال، وبائع الخضار، وصاحب العقار الذي يؤجره، وسائق التكسي، الذين لن يتمكنوا من الاستمرار في وجه الأقوى دون نهش الأضعف!.

السلوك الشعبي السيئ
خبير الأسواق والمحلّل الاقتصادي عامر ديب أوضح أن عدم الالتزام من قبل الكثيرين بتطبيق المرسومين 3 و4 للعام 2020 لحظر التعامل بالدولار، وإذاعة سعر الصرف في السوق السوداء، وكلّ القرارات الناظمة للموضوع، تشكّل السبب الأكبر لما حلّ بالأسواق من كوارث. وقلّل ديب من مسؤولية وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في ضبط الأسواق، وإيقاف التضخم المخيف الحاصل فيها، متسائلاً: هل سيكون الحل بإحالة مليون مواطن، ومتاجر تاجر إلى القضاء؟، فهذا شيء مستحيل، والمسألة باتت مسألة سلوك شعبي، وشائع، والقرارات الحكومية أو القوانين بأنواعها لن تتمكّن من الوقوف بوجه هذا السلوك المدمر، إضافة إلى قلة الأخلاق لدى التاجر والبائع، حيث يتذرع البعض منهم بأن الحرب والأزمة هي سبب زيادة مظاهر الجشع والطمع، ولكن هذا غير صحيح، فمن لديه المبدأ لن تغيّره الظروف، والسيئ سيزداد سوءاً بغضّ النظر عن الظروف.

وأضاف ديب: بدأت الآن تظهر لدى بعض المواطنين مهنة جديدة هي مهنة سرقة وابتزاز بعضهم البعض، وحتى في أبسط مواد المعيشة، يطالبون الحكومة بالواجبات ويتهمونها بالتقصير، ولكن أغلبهم لا يطبق القوانين ولا يقوم بواجباته كمواطن، ولو بالحدّ الأدنى. كما رأى ديب أن ورقة العملة من فئة الخمسة آلاف ليرة الجديدة طُرحت في الأسواق بطريقة خاطئة سبّبت تضخماً في الأسعار، وكان من المفروض التمهيد والترويج لقرار طرحها بصورة جيدة ومدروسة، ووفقاً لإجراءات مشددة وحازمة، بالتعاون ما بين الجهات المعنية كوزارتي الاقتصاد والمالية، وليس فقط بجهد وزارة واحدة كالتجارة الداخلية، وإن عدم توحيد الجهود على الأرض سيشتّتها ويفشلها، والسياسة النقدية ليست من اختصاص مصرف سورية المركزي وحده، وإنما هي مسؤولية وزارات التجارة الداخلية والاقتصاد، والمالية بالدرجة الأولى، ثم تأتي في المرحلة التالية وزارتا الصناعة والزراعة.

بشار محي الدين المحمد