عروسة العيد
سلوى عبّاس
يتناول مسلسل “الفصول الأربعة” بحلقاته المتصلة المنفصلة الذي يُعرض حالياً على إحدى المحطات السورية، تفاصيل الحياة اليومية لأسرة مكوّنة من الأب والأم والعمة وعدداً من البنات تزوجن جميعهن باستثناء الصغرى التي درست علم النفس وأصبحت في الثلاثين من عمرها ولم تزل عازبة ترفض الزواج ومبدأه الذي لا يتناسب مع تفكيرها، لكن هذا لم يمنع من أن تكون محطّ اهتمام العرسان الذين يتقدمون لخطبتها. وفي حلقة من العمل بعنوان “عروسة العيد” تباينت الآراء وتعدّدت حول “بدلة العرس” أو “فستان الزفاف” وجمالها والإكسسوارات التي ترافقها والبهاء الذي يجلّلها على واجهات المحلات، هذه “البدلة” التي تخضع أيضاً لتطورات كل عصر وصرعات دور الأزياء، هي حلم كل الفتيات في مرحلة من العمر، هذا الحلم الذي أصبح الآن مستحيلاً، بل حالة من الرفاهية والترفيه لدى الكثير من الفتيات بسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي أرخت بقسوتها على الناس، وجعلت همّهم فقط توفير قوت يومهم.
محورُ الحلقة يدور حول الابنة الصغرى للأسرة بطلة العمل التي تمثّل نموذجاً للأسرة السورية بتفاصيل يومها، هذه الابنة تخضع لاعتبارات المجتمع بتعاطي العرسان معها، إذ يتقدم شاب لخطبتها مصطحباً أهله للتعرف عليها، فأحبت انطلاقاً من تخصّصها الدراسي أن ترصد الحالة وتعيش التجربة وتختبر الشعور الذي تعيشه الفتاة في هذه الحالة بعد أن سمعت الكثير من الآراء من أهلها وإخوتها وعمتها حول جمال العروس والتفاصيل التي تلفت نظر العريس وأهله، فامتثلت الصبية لحكم العادات والتقاليد التي تحاول أغلب العائلات المحافظة عليها، ويبدو أن الحالة راقت لها فاستفاق في داخلها إحساس الأنثى، ورغبت أن تكمل التمثيلية إلى آخرها وتحضر أمام “الخطّابين” بالهيئة التي ترضيهم والتي شبّهتها بـ”عروسة العيد” التي يرغبها الشاب في الفتاة التي سيرتبط بها، لكن مفاجأة الحلقة أنها أُعجبت بالعريس.
هذه الحالة ليست فريدة في مجتمعنا، وتحديداً في ظروفنا التي نعيشها بسبب الحرب وتداعياتها، وما عشناه مع أبطال العمل حقيقة تحكم العائلات السورية، لكن الزواج -على ضرورته وأهميته- ليس هو المكسب الأهم في الحياة، ولو أن كثيرين يرون أنه الحظ الأكبر الذي تحظى به الفتاة في مجتمعنا، بغضّ النظر عما يمكن أن تحصّله من مكاسب حياتية أخرى قد تكون أهم من مكسب الزواج الذي قد توّفق به الفتاة وربما لا، وإنه لمثير للاستغراب أن يتجاهل الناس حق الفتاة الأول في الحياة، وهو أن ترسم حياتها بالطريقة التي تريحها، سواء رغبت بالزواج أم لا؟، ومتى سيعترف لها المجتمع بحقها أن تختار حياتها كما تحب بعيداً عن فضول الآخرين وتطفلهم..
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كم علينا أن نعيش من سنين، وكم ينبغي أن نخوض من تجارب قد نصل فيها حدّ الهلاك لندرك أننا لم نزل أحياء، وكم عدد حالات الإحباط التي علينا أن نعيشها لندرك بعضاً من بديهيات الحياة، ولنعترف هنا أننا نعيش ازدواجية الحياة بين عملنا وحياتنا الشخصية، ولنعترف أيضاً أنهما منفصلان، وأن ما نقرؤه في الكتب من مأثورات حول الأنثى الحضارة والأم المدرسة، والجنة التي تمتد تحت أقدام الأمهات، ليست إلا كلمات نتفوّه بها لنجمّل حياتنا دون أن نعترف أننا نكذب على أنفسنا، ونخاف من الاعتراف بحقيقة ذواتنا، لذلك أمام كل ما يحصل علينا أن ندرك أن الحياة ليست سوى تحدٍّ يجب أن نرفعه، وسعادة يجب أن نستحقها، ومغامرة يجب أن نخوضها. فأفضل المشاعر هي في أننا قادرون على العيش بسعادة دون مَن أو ما اعتقدنا يوماً أنه لا غنى عنه، فهل سنستطيع يوماً الفصل بين بديهيات الحياة، ونتذكر أن كل شيء فيها وقتي وعابر، وعندها فقط لا نكون متحمسين جداً في السعادة، ولا حزينين جداً في التعاسة؟!.