معرض فني مشترك في المركز الوطني للفنون البصرية
أقيم مؤخراً في صالة المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق المعرض المشترك للفنانين الشباب خزيمة العايد ويعرب طلاع وصلاح حريب، حيث قدّم كل فنان منهم عملاً واحداً فقط في عرض موحّد وجديد ومختلف في تقانة العرض والخامة، وتجمعهم الهواجس المشتركة لشباب يبحث عن ذات جديدة تأخذ مكانها المستحق في الحيز التشكيلي المتوفر الآن عبر صالات العرض والمعارض الفردية والجماعية، وعبر محترفات الفنانين وصفحات التواصل المهنية بالفنون التشكيلية، ومن حسن حظ هؤلاء الشباب أن صالة المركز الوطني هي المكان الوحيد ربما الذي يستطيع استيعاب مثل هذه الأفكار الجديدة للشباب وتبنيها أيضاً، وبالطبع لا نغفل هنا دور الفنان غياث الأخرس مدير المركز الذي يدفع بالتجارب الجديدة ويمنحها الشجاعة في التفكير والطرح الفني وصولاً إلى إنجاز التأثير وتحقيق الغاية من اللوحة والعمل الفني وربطهما بالمشهد الإبداعي، كما يتجاوز السائد والراكد تشكيلياً وخاصة بعد الفتوحات البصرية المعاصرة التي أنجزت في المجتمعات والثقافات الأخرى ولاسيما تلك التي تشهد تقدّماً علمياً واقتصادياً كبيراً ويمتلك مبدعوها من حسّ المغامرة والحرية ما يكفي لاختبار أي شيء بغية التعبير.
خزيمة العايد: فنان بسمرة ناعمة محبّبة تخفي شغف الفنان الشاب المشاكس والباحث دائماً عن جديد، في كل مرة يفاجئ جمهوره بعرض لفكرة معيّنة لافتة للانتباه، وموضع يمكن للاستعراض البصري فيه أن يتجلى ويؤثر.. صادم بجمال ودون حيادية في الفكرة، يذهب إلى حواف مؤلمة تعبيرياً وقد نفذ من قبل في المكان نفسه عملاً تجاوز الخمسة أمتار مصنوعاً من الريزين والبولستر والحديد، مشهداً يمثل حطاماً في مكان معروف بقسرية العزلة وعجز آلاف الأصابع عن المصافحة واللمس.. مفصولة بالغياب والألم تحيطها حقيقة الدمار والخراب في المكان والنفس الإنسانية، ويتابع خزيمة التعبير عن احتجاجه في العرض الجديد من خلال تجسيده كرة حمراء عملاقة تمثل الأرض مكلّلة بكل النفايات وما تكدّسه الحياة الاستهلاكية من بقايا ما يستخدمه الإنسان، حتى الكتب المكدسة فوق هذا السطح الكروي مآلها إلى تلك الحفرة السوداء العميقة في جسم الأرض، في إشارة إلى نفق الموت الحتمي لكل ما هو إنساني.. ليصدمنا الفنان برؤيته للعالم: كرة حمراء بثقب أسود هكذا الكرة الأرضية أمام ناظريه!؟.
في القسم الثاني من المعرض شاشة كبيرة تعرض دقائق لشريط فيديوآرت أعدّه الفنان يعرب طلاّع يمثل مجموعة عناصر أغلبها كراسي من الخشب مرسومة بالأبيض والأسود، مجموعة صور غرافيكية متحركة في فضاء محورها مدعومة بتهشيرات وعوالم غرافيكية رسمتها يد الفنان بحرفية المصور ونزق الحفار البارع.
في الجانب الأخير لوحة كبيرة على الجدار وأخرى مثلها على الأرض تستكمل القطعة الأولى في طريقة عرض غريبة لا تخلو من استعراض وفنتازيا لا تخلو من سذاجة مطروقة كثيراً أوقعت الفنان صلاح حريب في عرض تشكيلي يستجدي الإبهار والدهشة.. ربما كان موفقاً بسبب المكان الواسع الذي يسمح بعرضٍ كهذا ويؤمن الجمهور المتوقع لاستقبال دهشة كهذه تعتمد على الحجم والمساحة كما يتوقع جديد أفكار هؤلاء الشباب المدفوعين بروح لا تخلو من شجاعة متأثرة بتجارب سبقتهم في بلدان أخرى اقتربت من عوالم المفاهيمية والأعمال التركيبية وفن المكان والميديا وأنجزت الكثير.
معرض نوعي في التوقيت والقيمة ومختلف عن السائد، حيث أضحى العمل التشكيلي واللوحة المسندية مملاً في عالم يكتظ بالصور السريعة حتى صار عالمنا عالم الصورة بامتياز.
أكسم طلاع