حسام الدين خضور… تجربة خاصة جداً
كما كانت حكايات ألف ليلة وليلة وسيلة شهرزاد للحياة كانت الكتابة بالنسبة للكاتب حسام الدين خضور السلاح الذي أشهره في وجه الموت طلباً للحياة والانتصار على واقع السجن، مبيّناً خلال ندوة البرنامج الإذاعي “كاتب وموقف” التي يديرها الإعلامي عبد الرحمن الحلبي والتي عقدت مؤخراً في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة للإضاءة على مسيرة الكاتب حسام الدين خضور الغنية في مجال الكتابة القصصية والروائية والترجمة بمشاركة الناقد أحمد علي هلال، أنه في الوقت الذي كان فيه السجناء يعانون من الفراغ والملل القاتل كان هو بحاجة إلى ساعات إضافية لينجز برنامجه اليومي، وقد ساعدته الكتابة على أن يعيش حياة طبيعية، حيث لديه عمل يومي، والعمل برأيه حياة، لذلك خرج صحيح الجسم والعقل، والفضل يعود إلى الكتابة.
عربة الذل
يشير خضور إلى أن السجن عالَم مغلق، له خصائص استثنائية، ذكوري بشكل مطلق، والشيء الأكثر سوءاً فيه أنه يمحو الخصوصية، وفيه أسماء وأعمار وأوزان ومعتقدات ومعارف وأصول مختلفة، وفيه ينتفي الاختلاف مهما تباينت وتناقضت أسباب المجيء إليه، ليتحول الإنسان فيه إلى مجرد رقم، موضحاً أنه أنجز في السجن مجموعة “عربة الذل” وهي مجموعة قصصية تضمّ قصصاً أبطالها شخصيات عاشت تجربة السجن وتتكون من 18 قصة تناول فيها شخصيات واقعية، كما أنجز رواية “العودة من الأبدية” أبطالها شخصيات عاشت تجربة السجن، منوهاً إلى أن الكاتب يقدّم شخصيات، جزء منها من الواقع، ثم يحوّرها ويكيّفها لتلعب دوراً ما، وهو يسعى إلى تقديم شخصيات حية، معظمها لا تكون كما هي في الواقع تماماً إلا في جزء بسيط منها، مؤكداً أنه وإن كانت التجربة تغني العمل الإبداعي إلا أن هناك أعمالاً كثيرة كُتبت وهي مبنية على ما هو متخيّل وحققت نجاحاً كبيراً، وهذا يؤكد برأيه وجود موهوبين يستطيعون أن يتخيّلوا وقائع معينة بعيداً عما يعيشونه، فيقدّموا أعمالاً إبداعية أفضل ممن عاش التجربة.
مهنة إبداعية
أسهم حسام الدين خضور كمترجم في رفد المكتبة العربية بمعطى ثقافي معرفي جمالي لتجارب كتّاب وباحثين من لغات مختلفة، فقد ترجم من اللغة الإنكليزية شتى نواحي المعرفة، مع حرصه على تقديم ما يمكن أن يغني القارئ العربي فنياً وجمالياً ومعرفياً، وسعيه دائماً إلى ترجمة الكتب التي تعزز القيم الوطنية والإنسانية، مشيراً إلى أن الترجمة قادته لأن يكون مدير الترجمة في الهيئة العامة السورية للكتاب وترؤس تحرير مجلة “جسور” الثقافية لسنوات، مؤكداً أن الترجمة مهنة إبداعية، إذ ليس كل من أتقن لغة يمكن أن يكون مترجماً لأن الترجمة تتطلب من المترجم أن يعرف أصول الكتابة، والكتابة مهنة إبداعية، لها أصولها.
واقعية نقدية
وبيّن الناقد أحمد علي هلال أنه لا يمكن قراءة “عربة الذل” و”العودة من الأبدية” دون التوقف عند خصائص خضور الإبداعية، هذا الإبداع الذي لا ينضوي تحت مدرسة بعينها، فهو يكتب متطيّراً من تحديدٍ مسبق، وتجربته في السجن بمفهومه العام أخذته إلى تلك المحكيات والسرديات التي انطوت عليها قصص “عربة الذل” مع إشارته إلى أن قراءة أدب السجن الذي تنتمي إليه كتابات خضور في السجن هي قراءة تنطوي على الكثير من التأويلات، فالسجن هو ذلك السجن العام الذي يحتجز الكثير من السجناء لأسباب مدنية، موضحاً أن خضور يكتب قصصه في ظل الواقعية المتطيرة من البلاغة والمحسنات البلاغية إلى واقع الحال ونقله عبر لغة شفافة تميل إلى التكثيف والاقتصاد الأدبي الذي يُفضي إلى المتعة القليلة من خلال قصص ذات مضمون درامي حاد (ضراوة الحدث القصصي الذي يأتي من فضاءات السجن) و”عربة الذل” تقدّم أنموذجاً عن كل هذه الشواغل القصصية، وقد صوّر من خلالها خضور الموت بعيداً عن الأسباب وكأنه يحاول أن يهجوه ويهجو المصائر التي تتشكل في فضاء السجن ليكون الموت التيمة التي يصطفيها بوعي محسوب ومدروس ليصل إلى منظومة تأليفية تركيبية تتوسّل العدل الشريد على ألسنة شخصياته التي ينتقيها من الواقع ويضمّنها وجهات نظره، وأشار هلال إلى أن قصص خضور التي كتبها في السجن تعكس واقع السجن بإحداثيات ونوازع إنسانية، فقصص “عربة الذل” ليست يوميات وإنما هي عبارة عن واقع بعينه، فواقعية خضور هي واقعية نقدية وليست واقعية تقوم على عكس الواقع كما هو، فشخصياته هي شخصيات حقيقية ترصد مسيرتها في السجن ويخلط فيها ما بين الواقع والمتخيّل.
رواية مجتمعية
ورأى هلال أن رواية “العودة من الأبدية” هي عمل كبير احتاج لمقدرة كبيرة على سرد الأحداث عبر لغة الشخوص وهي رواية مجتمعية على المستوى المعرفي تضمّنت حوارات موضوعية بعيداً عن السرد الذاتي، معترفاً أن هذه الرواية أحالته كناقد إلى أسئلة حول خصوصية هذا الجنس الإبداعي ومقولاته في سياق توصيفات الكاتب المتواترة لأدبية السيرة الذاتية ومشروعيتها الروائية وقدرة كاتبها على مخاتلة المرجع الواقعي دون أن تفرط بحوافز السرد وقدرة الحكاية بإرثها الشهرزادي وموتيفاتها الإنسانية المترعة بالألم والقلق والحنين وضراوة السرد التي يجربها بجدلية التجربة والوعي، في حين تلعب الفانتازيا في مجموعته القصصية الأخيرة التي صدرت حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب “ليس في الجنة قبور” دورها في تشييد عوالمه القصصية، كما في القصة التي تحمل العنوان ذاته من حيث كسر أفق التوقع والذهاب إلى محايثة الواقع “الجندي الذي صار شجرة زيتون” ليأخذ سؤال الواقع بمفارقاته واحتدامات وقائعه صورة الواقع السوري عبر متخيّل نضر يقارب العلاقة مع المرأة والطبيعة، وفي أشكال الدفاع عن قيم إنسانية وثقافية وهجاء الحرب على سورية وآثارها النفسية.
ويختتم هلال كلامه بتأكيد هاجس خضور الرئيس في كتابة التجربة بمستوياتها التأليفية والواقعية والجمالية بلغة قريبة من وجدان المتلقي، لغة حياة ليترك لقارئه حرية التأويل والاستيعاب.
أمينة عباس