سياسة عض الأصابع.. من ينتصر؟!
سنان حسن
يبدو أن عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق النووي مع إيران تراوح مكانها رغم كل المؤشرات التي حصلت مع وصول إدارة ديمقراطية إلى البيت الأبيض.. فواشنطن تكرّر موّال إدارة ترامب ولكن بطريقة جديدة مستمدّة من سياسة الضغوط القصوى التي اتبعتها منذ خروجها من الاتفاق في نيسان ٢٠١٧، فماذا تريد من وراء ذلك؟.. هل بالفعل العودة أم هناك أشياء أخرى تريد فرضها على طهران؟ والأهم كيف ستتعامل الأخيرة مع طروح إدارة بايدن؟
منذ وصول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لا يكاد يمر يوم إلا وتعلن أنها جادة بالعودة إلى الاتفاق النووي مع طهران وتصحيح ما حصل في عهد ترامب، ولكن في كل تصريح تربط العودة بعودة طهران إلى الاتفاق الذي لم تخرج منه هذه الأخيرة بالأصل، بل كانت واشنطن هي من فعلت ذلك، وما قامت به طهران لاحقاً من خطوات وتخفيض لالتزاماتها تم بموجب الاتفاق الذي تم التوصل اليه مع الدول الخمس بالإضافة إلى ألمانيا وصدّقه مجلس الأمن الدولي بقرار صادر عنه.. المهم أنه وعلى الرغم من الإجراءات التي قامت بها الإدارة الأمريكية من تعيين روبرت مالي كمبعوث خاص إلى إيران وما لاقاه من اعتراض كبير في “إسرائيل” وبعض الدول الخليجية بسبب مواقفه الإيجابية من الاتفاق، إضافة إلى اجراءات تتعلق بتخفيف الضغوط المالية على طهران “قرض البنك الدولي” من بوابة تسهيل الإجراءات المالية في مواجهة كورونا وتأمين دعم لشراء اللقاح، على الرغم من ذلك كله لم تعُد واشنطن إلى الاتفاق وبقيت تصريحاتها حبراً على ورق.
في المقابل أعادت طهران التأكيد مجدداً أنها مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي فوراً والالتزام بما هو مطلوب منها بموجبه شرط إنهاء العقوبات التي فرضها ترامب على إيران والعودة إلى ما قبل نقض واشنطن للاتفاق، وقد صدر هذا التأكيد من أعلى المراجع، رافضة في الوقت عينه فكرة التفاوض مجدداً عليه، فالعودة إلى الاتفاق مرة ثانية دون التزام الطرف الآخر بما يترتب عليه ودون رفع العقوبات يعني أن واشنطن بالتحديد يمكنها في أي لحظة الخروج من الاتفاق حتى لو عادت الآن، إذاً من يضمن هذا الاتفاق ويحميه؟.
وعليه يمكن القول: إن الاتفاق والعودة إليه بالنسبة لواشنطن وحلفائها مجرد بوابة لشروط أخرى تريدها ثمناً لذلك، تبدأ بملفات دفاعية إيرانية ولا تنتهي بسياسة طهران في المنطقة والعالم، ما يعني أن المراوحة في المكان هي الحاكمة لما يجري، ويبقى السؤال من يتنازل أولاً واشنطن أم طهران، والتي تمتلك الحق في التمسّك بمبادئها؟.
خلال الأيام الماضية أعلنت طهران أن الـ٢١ من شباط الجاري هو الموعد الأخير لتنفيذ التزاماتها بالبروتوكول الإضافي الذي نص عليه الاتفاق النووي، وهو موعد بات قريباً جداً، الأمر الذي دفع الأوروبيين إلى التحرك ورفع الصوت عالياً بشأن الحفاظ على الاتفاق، ولكن حتى هذا الصوت الجديد بدا متناغماً مع ما تطرحه واشنطن، بل أكثر من ذلك فقد كان الانتقاد الفرنسي لطهران عالياً وهذا يذكّرنا بما كانت تقوله إدارة الرئيس السابق هولاند إبان المفاوضات على توقيع الاتفاق.
وبالتالي فإن سياسة عض الأصابع ستبقى حاكمة وخاصة في ربع الساعة الأخير قبل انقضاء مهلة طهران التي أعلنت عنها، فهل يواصل الرئيس بايدن وفريقه السير بالطريق نفسه الذي سارت عليه إدارة ترامب ولكن بنكهة أخرى؟ أم هناك مبادرات تقودها الصين وروسيا لحلحلة الأمور؟!.