أردوغان يتخوّف من تحوّل التظاهرات الطلابية إلى حركة واسعة
على الرغم من أنها لم تحصل لغاية اليوم على دعم غالبية الأتراك، إلا أنّ التظاهرات الطلابية أحيت ذكرى الحركة الاحتجاجية الواسعة التي هزّت حكم رئيس النظام التركي رجب طيّب أردوغان في 2013 “متنزه جيزي” وكان حينها رئيساً للوزراء، وهي الاحتجاجات التي سقط فيها عشرات القتلى والجرحى المدنيين، فيما تواصل السلطات إلى الآن ملاحقة نشطائها قضائياً.
ويمثّل الطلاب، الذين يتظاهرون منذ أكثر من شهر في تركيا بتصميم ورغبة في إحداث تغييرات، مشكلة صعبة لأردوغان، الذي ردّ بنشر أعداد كبيرة من عناصر الشرطة في الشوارع، وإطلاق اتهامات عشوائية عكست المأزق الذي يعيشه، إذ إنه يعلم مدى مصداقيّة تلك التظاهرات وعفويّتها وصعوبة المساومة فيها أو إسكات المشاركين فيها عن طريق ترهيبهم بالسجون والمعتقلات، وأنها لن تهدأ، وإن هدأت فلسوف تعود من جديد.
ويقول غوركان أوزتوركان المحلل السياسي المتخرج من بوغازيتشي: إن “هؤلاء الشباب يمضون كل وقتهم على الإنترنت ويرون أن هناك مواقع محجوبة وأشخاصاً يعتقلون بسبب تغريدة على تويتر. إنهم مجبرون على التعبير عن إحباطهم بطريقة ما”.
واختار أردوغان، الذي لا يتردد في سحق أي شكل من أشكال المعارضة، على الفور منذ الانقلاب الفاشل في 2016، المواجهة، لكنه محرج بين رغبته في إصلاح العلاقات بين نظامه والغرب، فيما تمرّ بلاده بأزمة اقتصادية.
وانطلقت الحركة الاحتجاجية عندما قرر أردوغان تعيين أحد الموالين لحزبه رئيساً لجامعة البوسفور (بوغازيتشي) المرموقة في إسطنبول مطلع العام الجاري.
وكان اختيار هذا المسؤول، المتهم بسرقة أدبية هو القشة، التي قصمت ظهر البعير لكثير من الشباب الذين يتعرضون لضغوط متزايدة.
وتقول زينب قربانزاده (19 عاماً) التي تشارك في الاحتجاجات: “لسنا راضين بالوضع الاقتصادي ولا بالضغوط المتزايدة” على الحريات الفردية، وتوضّح أن “مرتكبي جرائم قتل بحق نساء يفلتون من العقاب ورجال العصابات يخرجون من السجون ويعاملون مثل الأمراء، لكن رفاقنا يوضعون خاف القضبان بسبب تغريدة”، مؤكدة “نحن نرفض ذلك”.
ويبدو حرم جامعة بوغازيتشي اليوم كأنه حصن محاصر. فقد أقيمت حواجز معدنية على امتداد مئات الأمتار، بينما أثار تسجيل فيديو للشرطة وهي تكبل بوابة مدخل الجامعة الشهر الماضي الغضب. كما أطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريق تجمعات احتجاجية في اسطنبول وأنقرة وإزمير وأوقفت أكثر من 500 متظاهر.
ورغم أنه تم الإفراج عن معظم الطلاب الذين اعتقلوا، أدت عمليات التوقيف ووحشية القوات الأمنية إلى توجيه اتهامات جديدة لأردوغان بالميل إلى الاستبداد، إذ كشفت معلومات متطابقة أن الأشخاص الذين تمّ اقتيادهم إلى قسم شرطة أزمير تعرّضوا للتفتيش وهم عراة.
وبعدما بدا وكأنه يتجاهل الاحتجاجات في البداية، صعّد أردوغان هجماته على المتظاهرين في الأسابيع الأخيرة، ووصفهم بأنهم أدوات “في أيدي الإرهابيين” والقوى الغربية. كما انتقد بشدة مجتمع المثليين الذي أصبحت حقوقه مطلباً يردده المتظاهرون، ما أثار غضب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتشير تيناز إكيم أستاذة الهندسة الصناعية في بوغازيتشي إلى أن “الموضوع الفعلي هو استقلالية الجامعات، لكننا مضطرون للتحدّث عن الطلاب الموقوفين. من المستفيد من هذه الفوضى؟ لسنا نحن”.
يعتقد اوستون إرغودر، الذي انتخب مرتين رئيساً لجامعة بوغازيتشي في تسعينات القرن الماضي، إنه كان هناك “رد فعل مبالغ فيه” من قبل السلطات.
وحتى خلال الاضطرابات التي حدثت في السبعينات عندما كان حرم الجامعات يشهد مواجهات دامية بين الطلاب اليساريين واليمينيين “استمرت الفصول الدراسية دون انقطاع في بوغازيتشي”، على حد قوله، وأضاف أنه نصح خلال اجتماع مع رئيس الجامعة الحالي مليح بولو “بنسج علاقات” من أجل “كسب القلوب والعقول”.
وبعدما ضغطت عليه المعارضة لتقديم استقالته، استبعد بولو الأسبوع الماضي الرحيل.
لكن رغم العزم الذي أظهره المحتجون، لا يتوقع أوزغور أونلوهيسارشيكلي مدير مكتب أنقرة التابع للمعهد الأميركي “جيرمن مارشل فاند”، أن يزداد زخم التظاهرات.
فالرد الوحشي للسلطات، وغياب قائد للاحتجاجات، عوامل لا تخدم مصلحة الطلاب.
ويرى أونلوهيسارشيكلي أن “أحزاب المعارضة تدرك أن الاحتجاجات الجماهيرية تعزز الاستقطاب وأن ذلك يثير حماس أنصار أردوغان”.