أقـل مـا يـقـال ..في حضرة القانون رقم واحد
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
قرابة العقد من الزمن مضى – إن لم يكن أكثر – على مشروع تعديل قانون العقود رقم 51 للعام 2004، والتكتم لا يزال سيد الموقف، فرغم محاولاتنا المتكررة لمعرفة أبرز أوجه التعديل، إلا أننا لم نحظ بأية معلومة تفيد بجدية عمل اللجنة، وبما آل إليه عملها..!
ومع إقرارنا بأهمية أن يحظى تعديل قانون “بحجم قانون العقود” الذي ينفق بموجبه ثلثا الموازنة العامة للدولة بهذا الوقت كله من المناقشة والصياغة، إلا أن الأمر يستوجب من الإعلام المتابعة المستمرة له، على الأقل من مبدأ إتاحة الفرصة أمام المعنيين والمتعاملين به ليطلعوا على مواطن التعديل، والمشاركة بإبداء رأيهم قبل أن يُقر كقانون، عسى أن يخرج بصيغة توافقية ترضي جميع الأطراف، لاسيما وأننا على أبواب مرحلة إعادة الإعمار، ومؤكد أن يكون هذا القانون هو رقم واحد بتنظيم العلاقة بين الجهات الحكومية والشركات المعنية بملف الإعمار، وبالتالي: لماذا لم تطالعنا اللجنة المكلفة بالتعديل – بين الفينة والأخرى – بما وصلت إليه؟! مع الإشارة إلى أن بعض العارفين بخفايا هذا القانون وحساسيته ذهب إلى أكثر من ذلك من خلال المطالبة بأن يكون لدينا هيئة – أو مكتب على أقل تقدير – للإشراف على تنظيم وتنفيذ العقود الحكومية..!
إذا ما سمحنا لأنفسنا – كإعلام وطني – إبداء الرأي في مسألة التعديل على الأقل – من باب الاستئناس بهذا الرأي – فإننا نلفت الأنظار إلى ضرورة إيجاد صيغة توافقية لحل الإشكاليات الناجمة عن ملاحق العقود، والتي تعتبر أبرز المآخذ على هذا القانون، إضافة إلى موضوع فروقات الأسعار (ارتفاعاتها وانخفاضاتها) التي تربك بآلية حسابها الجهات العامة، إلى جانب موضوع كسر الأسعار الذي لم ينص عليه القانون صراحة، حيث أن عدم النص على شيء يعني الإباحة؛ وعلى الرغم أن الكسر ممنوع عرفاً إلا أن بعض الجهات العامة قد تفهمه مباحاً كون المنع لم يرد صراحة في نص القانون..!
أبرز أسباب إقحام رأينا ومخاطبتنا اللجنة المكلفة بتعديله بأن تستأنس به – إن رغبت – هي ما يطلقه بعض المراقبين من تهم من العيار الثقيل بحق قانون العقودـ، والتي تتمثل بأنه أكبر بوابة للفساد، ومنفذ – بحكم ثغراته – للتواطؤ ما بين موظفي الجهات العامة ومتعهدي القطاع الخاص لتمرير صفقات مشبوهة تهدر المال العام، لاسيما وأن معظم الجهات العامة تتعامل مع هذا القانون الذي بات بنظر الكثيرين بحاجة إلى تعديل ليكون أكثر صرامة وصوناً للمال العام، في الوقت الذي يبرئه البعض كنص تشريعي ملقين اللوم على المفاصل المنفذة له، فشأنه – برأي هؤلاء – شأن أي قانون أو نص تشريعي آخر، لا يخلو من ثغرات أو لبس في بعض مواده، والتجربة هي الفيصل بمدى نجاعته وقدرته على ضبط العلاقة بين أطرافه، وهو بالنهاية ليس نصاً مقدساً ويمكن تعديله إن اقتضت الحاجة لذلك.
ونحن نتحدث عن القانون رقم واحد، لابد من الإشارة إلى الأهمية التي يحظى بها نظام العقود، والتي تنبع من كونه يطبق على معظم الجهات العامة في الدولة، سواء كانت من القطاع الاقتصادي أم الإداري أم الإنشائي، ما يعني ضرورة تدريب وتأهيل المتعاملين معه، وأهمية تفسير بنوده بشكل واضح وصريح تفادياً لإعطاء المبررات غير المقنعة في حال الوقوع في مطب التجاوزات؛ وهذه المسؤولية لا تقع على عاتق وزارة المالية – وهي الجهة المصدرة للقانون – بل مسؤولية كل جهة تتعامل معه، حيث يجب عليها أن تخاطب “المالية” للتوضيح، في حال وجود لبس معين أو تشكيل لجنة تقترح تعديلاً لبعض المواد بما يتناسب مع خصوصية الجهة المعنية ذات العلاقة، واتخاذ قرارا بهذا الخصوص، لا أن تبقى الأمور معلقة بين الخطأ والصواب، وبالتالي إتاحة المجال لتمرير ما يمكن تمريره من تحت الطاولة وفوقها على حساب المصلحة العامة.