التسرب المدرسي.. ظاهرة متزايدة تحت وطأة الوضع المعيشي وأسباب تنتقد الأساليب التعليمية
التسرّب من المدرسة بات ظاهرة متزايدة تحت عناوين كثيرة، في مقدمتها الظرف الاقتصادي الصعب والمعاناة المعيشية، حيث يرى مدير المجمع التربوي في منطقة الزبداني أحمد إسماعيل أن ظاهرة التسرب تعود إلى ضعف التحصيل الدراسي للطالب، الذي بدوره يسبّب الشعور بالنقص والإحباط، وذلك نتيجة نظرة الأصدقاء له، وأحياناً نظرة المدرّسين في المدرسة والوضع الاقتصادي للأسرة وحاجتها لرديف مادي لتأمين مستلزمات الحياة، ما يجبر الطالب على ترك المدرسة والبحث عن عمل لمساعدة أسرته، إضافة إلى عدم قدرته على الانسجام والتفاعل مع البيئة الاجتماعية والتعليمية في المدرسة، وذلك من خلال عدم تكوين رفاق المجموعة وإقامة علاقات مع زملائه، بالتزامن مع التفاوت التعليمي بينه وبين باقي رفاقه، الأمر الذي يؤدي إلى انفصاله وانعزاله عن المجموعة من خلال ما سبق. وأشار إسماعيل إلى عوامل ومقترحات تساهم إيجاباً في التخلّص من هذه الظاهرة ومعالجتها، منها نشر الوعي اللازم في المجتمع الذي يؤكد على أهمية التعليم وضرورته للطالب للاندماج في المجتمع، وأيضاً التوسع في التعليم المهني والفني ليشمل مراحل التعليم المتوسطة والأساسي بما يتناسب مع ميول الطالب واتجاهاته، الأمر الذي يمكنه من مواكبة سوق العمل، إضافة لتأهيل المدرسين وإعدادهم إعداداً جيداً للتعامل مع الطلاب ومراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين، وأيضاً تعزيز دور الإرشاد النفسي والاجتماعي في المدارس للتعامل مع الأطفال أصحاب المشكلات النفسية التي تؤثر عليهم.
عدم الاستقرار
واعتبر مدير المجمع التربوي في منطقة قدسيا منير أبو كحلا أن أحد الأسباب المهمة للتسرب المدرسي عدم وعي الأهل والنزوح من مكان الآخر وعدم استقرار السكن، وفي هذه الحالة يجب تفعيل دور المجتمع المحلي المسؤول عن التسرب، إضافة إلى (المختار ومدير الناحية وموجه التعليم الإلزامي)، وأيضاً عدم تشغيل الأطفال في أية مصلحة، علماً أن وزارة التربية فتحت شعباً صفية للفئة (ب) حلقة أولى أكبر من أعمارهم. ورأى أبو كحلا أن الهروب من المدرسة والعزوف عن التعليم مشكلة يعاني منها المجتمع السوري، وخاصة في سنوات الحرب.
دور الإرشاد النفسي
للإرشاد النفسي في كل مدرسة دوره الأساسي في منع تسرب الطالب من المدرسة، وللأسف الشديد أنه لا يؤدي دوره كما يجب، فوجوده في المدرسة شكلي، كما وصفه الأهالي الذين يعانون من تسرب أولادهم من العملية التربوية مبكراً، أي في مرحلة تأسيس الطالب التي تعدّ القاعدة الأساس التي يعتمد عليها سلم التعليم في المراحل اللاحقة، لذلك بقاء التلميذ واستمراره في دراسته إلى نهاية المرحلة الابتدائية يعدّ أمراً ضرورياً لاكتسابه معلومات ومهارات هي الحدّ الأدنى لمواجهة الحياة والأساس التي تعتمد عليه بقية المراحل الدراسية التالية.
وترى المرشدة النفسية نرمين قدسية أن من أخطر ما يفسد سعادة التلميذ في الحياة المدرسية أن يكون ضعيفاً من الداخل، يعني أن تتغيّر نفسيته من أي كلمة، وعلاج هذه الأسباب يكمن في أساليب العملية التعليمية وأساليب معاملة المدرسين للطالب، والأهم استيعاب مشكلاته وفهم مشاعره، ومعرفة أسباب هروبه من المدرسة والخوف من العودة إليها. وتقول قدسية: إن هذه الأسباب مجتمعة تزيد خوف الطالب من المدرسة لا من الأهل، وأن بقاء المشكلة وعدم معالجتها يعني فقدان الموارد البشرية المتعلّمة والمؤهلة لبناء وتنمية المجتمع، ومن جانب آخر هو عدم انتفاع التلميذ من الخبرات والمعارف والسلوك الحسن التي تقدّمها المدرسة، كما تؤثر سلباً على نضج شخصيته وقدراته، إضافة لجنوحه إلى الانحراف والسرقة في بعض الأحيان. ومن آثار المشكلة أيضاً نشوء الدوافع والحوافز على السلوك السيئ الذي يكتسبه من خلال احتكاكه واختلاطه مع رفقائه المتشردين في محيطه وبيئته الاجتماعية، ففي هذه الحالة يكون من السهل على المتسرب أن يرتكب الأفعال المنافية للأعراف والأخلاق الحميدة، إضافة إلى تعلمه لغة الشارع بمفرداتها البذيئة. وقدمت قدسية حلولاً من شأنها معالجة ما يمكن من ظاهرة الهروب من المدرسة، حيث الدور الكبير للأسرة في هذا المجال من خلال التوجيه والتأديب والحرمان من أبسط الأشياء ومنع التلميذ من العمل في أي مكان، وخلق أسباب لترغيبه بالمدرسة ودعمه ومتابعته دراسياً، ومن الناحية المدرسية لابد من تحسين أسلوب المعاملة مع الطفل الذي يكره المدرسة واتباع أسلوب بعيد عن العقاب وخلق أجواء تشويق جديدة، واهتمام المدرّسين بمشكلة الطالب الأسرية ومتابعتها مع الأهالي.
استبيان وآراء
وفي استبيان “البعث” مع عدد من المشرفين التربويين، بيّنوا أن أسباب كره الطالب للمدرسة والهروب منها يعود إلى ضعف استيعاب التلاميذ لبعض المواد الدراسية والرسوب المتكرر، وقلة الساعات الإضافية لمساعدة التلاميذ الضعاف، وضعف التزام بعض المعلمين والمعلمات بالدوام، وكره التلميذ لبعض المواد الدراسية وقلة لقاءات إدارات المدارس مع أولياء الأمور، وزيادة كثافة التلاميذ في الصف، وأيضاً وصول الكتب المدرسية متأخرة أو مستعملة، وسوء استقبال التلاميذ الجدد في بداية العام الدراسي.
عبد الرحمن جاويش