استراتيجية بايدن في توظيف سلاح العقوبات
د. معن منيف سليمان
تعكف إدارة الرئيس الجديد بايدن على مراجعة سياسة العقوبات التي انتهجها سلفه ترامب، وسط توجه لعدم التخلّي عنها مقابل جعلها مرتبطة أكثر بالتنسيق بشكل أوثق مع الحلفاء، أي جعلها متعدّدة الأطراف، على عكس ترامب الذي كان يفضل العقوبات الأحادية، وداوم على فرضها حتى الأيام الأخيرة من عهده. لكنه على الرغم من ذلك أخفق في إخضاع خصوم الولايات المتحدة لإرادته، فهل ينجح بايدن فيما أخفق فيه سلفه؟.
بادئ ذي بدء فإن بايدن لن يتوانى عن استخدام سلاح العقوبات في إطار مساعيه لإعادة رسم السياسة الخارجية الأمريكية. ولهذا سارع منذ أن تولى الرئاسة إلى البدء في إعادة تقييم نهج سلفه ترامب في استخدام القوة الغاشمة، والتأني قبل إجراء أية تغييرات رئيسة، فيما يخص الدول المستهدفة بالعقوبات مثل: روسيا، والصين، وكوريا الديمقراطية، وإيران، وخاصة أنه يواجه تحديات “فوضى العقوبات” التي فرضها ترامب بوتيرة غير مسبوقة في الأيام الأخيرة لإدارته. فقد فرض ترامب عقوبات قد تجعل من الصعب على من يخلفه العودة إلى الاتفاق النووي التاريخي، وكذلك إقامة علاقة عمل على نحو سريع مع الصين، وذلك بعد استهداف مسؤولي الحزب الشيوعي فيها.
لقد أصدرت إدارة ترامب نحو 3800 قرار بفرض عقوبات جديدة بالمقارنة مع 2350 في مدّة الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما، وفي الوقت نفسه ألغت عقوبات أقل بكثير، وذلك وفقاً لأرقام جمعها مركز الأمن الأمريكي الجديد. وفي الوقت نفسه كانت إدارة ترامب رائدة في فرض قرارات منع إصدار تأشيرات الدخول للولايات المتحدة، وأثر ذلك على أكثر من 200 مسؤول أجنبي فُرضت عليهم عقوبة المنع من السفر وهو إجراء نادراً ما استخدم قبل ترامب. كما صعّدت إدارته بشدة استخدام ما يطلق عليه العقوبات الثانوية التي عاقبت بها “الأصدقاء والأعداء” على السواء.
ومع بدء تطبيق إستراتيجية العقوبات أو رفعها من قبل إدارة بايدن فإن من الاحتمالات الأولى رفع العقوبات التي فرضها ترامب على مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية بسبب التحقيق فيما إذا كان الجيش الأمريكي قد ارتكب جرائم حرب في أفغانستان. وكان الحلفاء الأوروبيون ندّدوا بتلك العقوبات. بالمقابل فإن إدارة بايدن من الممكن أن تفرض عقوبات مماثلة للعقوبات التي تفرضها بريطانيا والاتحاد الأوروبي على روسيا، بسبب مزاعم تسميم أليكسي نافالني.
وفي هذا السياق سيواجه بايدن أيضاً مسألة العقوبات على الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ويبدو إنه سينهج نهجاً أكثر تشدّداً، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على كوريا الديمقراطية.
وفيما يخص العقوبات على إيران فإن بايدن تعهد بأنه سيعود إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب في 2018، على الرغم من معارضة الحلفاء الأوروبيين، إذا استأنفت إيران الالتزام به. وعلى الرغم من أنه سيكون من الصعب على بايدن أن يعرض على إيران تخفيف العقوبات بشكل كبير خلال وقت قريب، إلا أنه يمكن أن يفتح الباب أمام إعادة التواصل بتخفيف القيود التي عرقلت حصول إيران على السلع المخصّصة للأغراض الإنسانية في غمار جائحة كورونا.
ومع إصرار المسؤولين الأمريكيين على الزعم بأن استعراض القوة الاقتصادية الأمريكية ألحق ضرراً بالغاً ببعض خصوم أمريكا، وهو ما يمكن أن يمنح بايدن ورقة ضغط، لكن تلك الحكومات لم تبدِ أية بادرة على الإذعان للهيمنة الأمريكية.
وهكذا أدّى الإفراط الواضح في استخدام العقوبات إلى نتائج عكسية ربما تجبر إدارة بايدن على إعادة النظر فيها، وتصنيفها حسب الحاجة إليها أو الاستغناء عنها أو التوسع فيها. وسيتم صياغة الإستراتيجية المعدّلة بالاستفادة من مراجعة واسعة لبرامج العقوبات، ولكن من المتوقع بعد اكتمال هذا التقييم أن تبقى العقوبات أداة محورية في يد الولايات المتحدة، لكنها لن تُستخدم تحت شعار “أمريكا أولاً” الذي كان يسيّر السياسة الخارجية في ظل الإدارة السالفة.