ثقافةصحيفة البعث

“الطواريد” مسلسل بيئة بدوية يعيد الجمهور اكتشافه

مهند الحسني

من أهم أسباب تعثر الكوميديا السورية في السنوات العشر الأخيرة هو غياب أهم الكتاب والمخرجين الذين أبدعوا وقدموا الكثير من المسلسلات الكوميدية الهادفة والمضحكة والاجتماعية، نذكر على سبيل المثال مسلسل “الخربة” الذي مازال يستحوذ على مشاهدة ومتابعة جماهيرية واسعة كلما تم عرضه، إضافة لمسلسل “بطل من هذا الزمان” للفنان أيمن زيدان وهو من الأعمال الاجتماعية الكوميدية الهادفة وهناك أعمال كثيرة يحتاج ذكرها إلى مجلدات.

لكن هذه الكوميديا التي كنا نتغنى بها وننتظرها في كل موسم رمضاني خف بريقها وباتت تفرز أعمالاً لا تضحك سوى كتّابها ومخرجيها، ولعل من أهم أسباب تعثرها أنها باتت تعتمد على خفة ظل الممثلين والممثلات ومواهبهم الكوميدية، وقد رأيت كتّاباً يضحكون على ما يكتبون من نصوص ويعتقدون أنها سوف تضحك المتفرجين وتسليهم، لكنها لم تفعل، بل أثارت المزيد من خيبات الأمل، لأنها نصوص غير كوميدية بالمعنى الحقيقي للكوميديا باعتبارها نوعاً هاماً جداً وصعباً من أنواع الدراما، والخطأ الفادح الذي يرتكبه كتّاب الكوميديا هو أنهم يعتمدون على استغباء شخوصهم داخل النصوص وخارجها، فأبطال معظم المسلسلات الكوميدية العربية على وجه العموم والسورية خصوصاً، أناس حمقى وجهلة وسذج إلى حد البلاهة، ولا يطلب منهم سوى التفوه بجمل غير منطقية وغير واقعية ولامبررة أيضاً في سياق العمل التمثيلي بقصد الإضحاك أو الظهور على الشاشة بمظهر الظرافة وخفة الدم، ناهيك عن حركاتهم المفتعلة بعيونهم وأفواههم وعضلات وجوهم أو أطرافهم العلوية والسفلية أو التشويهات الجسدية المعتمدة كالسمنة المفرطة أو التأتأة أو التعثر في السير دون سبب.

في مسلسل “الطواريد” تأليف مازن طه، وإخراج الراحل مازن السعدي ذهب بنا أصحابه إلى مكان جديد ومختلف في البيئة البدوية، مكان كان أكثر مرحاً أعطى الصورة الجميلة لتلك الحياة رغم شظفها ومنغصات العيش فيها غير أن الكاتب مازن طه منحها الكثير من الجمالية، ورسم في مخليتنا صوراً جميلة وحياة أقلها بساطة، فيما لم يظهر الجانب السلبي منها إلا قليلاً.

جرت أحداث هذا المسلسل في فضاء البادية المقفر والذي تكتنفه الكثير من صعوبات العيش، فقدم مازن طه بحرفية عالية قصة حياة قبيلة الطواريد العربية التي تسكن في هذه المساحة من البادية، فلم نر أو نشاهد أحداثاً عن حياة هذه القبائل والتي تميل إلى الجانب التراجيدي السائد والمعروف القائم على الصراعات الداخلية في القبيلة التي دائماً ما تتخذ أحداث العنف من خيانة وقتل وعادة الأخذ بالثأر، إنما قدم حياة البادية عبر مسار كوميدي، والمفارقة المضحكة عنواناً بارزاً له، تخيل الكاتب من سرده لأحداث عمله ما يمكن أن تقوم به التكنولوجيا من آثار سلبية على حياة البداوة ذات العادات المتأصلة والراسخة، فكان زعيم القبيلة طرود (عبد الهادي الصباغ)، رافعاً شعار التمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة مدافعاً عنها ضد الحداثة التي كانت السبب الرئيسي في إدخال القبيلة في دوامة، وبالتالي وصولها إلى حد الهاوية كدخول الموبايل ووسائل التواصل الاجتماعي إلى حياة أبناء القبيلة.

وكان لزعيم القبيلة صبية جميلة اسمها وضحة (نسرين طافش) فارسة القبيلة التي وضعت شروطاً شبه تعجيزية لفتى أحلامها، منها منازلتها بالمبارزة إضافة إلى إمكانية حل اللغز الذي تطرحه على كل من يطرق بابها طالبا يدها. وتم طرح هذه الشروط عبر مقالب يصطنعها بطلا المسلسل “خلف” محمد حداقي، و”مهاوش”، أحمد الأحمد، اللذان يطمحان لكسب ود وضحة ويلهثان بشتى السبل للوصول إلى مبتغاهما، فكان الصراع بين العادات والتطور التكنولوجي الذي يعد محور العمل مدروساً وابتعد عن التهريج مقدماً كوميديا بسيطة تعتمد على الكلمة والموقف والأداء معاً، طبعاً لا ننكر وجود بعض مشاهد التهريج التي أفلتت من مخرج العمل أو أنه لم يتمكن من نقل ما يدور في فلك الكاتب ورؤيته، فكانت شخصيتا “خلف ومهاوش” من أهم خطوط العمل الكوميدية، إذ بنيت شخصية خلف على الغباء المفرط الباعث على الإضحاك من شدة البله، الذي أتقن تأديته حداقي بطريقة رائعة ذكرتنا بدوره في مسلسل الخربة، إذ قدم الفنان حداقي هذه الشخصية بطريقة تدل على خبرته الفنية العالية وتقمصه لأدواره بمهنية يحسد عليها، ولم تكن شخصية “مهاوش” أقل منها أهمية من حيث الأداء، فكان هو الشخص الأذكى والقادر على تصويب وتوجيه شقيقه خلف. وفي نفس السياق، قدم أيمن رضا دوراً كوميدياً كبيراً عبر شخصية أبو شهاب رئيس المخفر في القبيلة الذي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة.

عموماً “الطواريد” مسلسل كوميدي خفيف قدم حياة البداوة بطريقة مختلفة جميلة ظلمته قليلاً كاميرا مخرج لم يعرف كيف يقرأ ما بين سطور الكاتب وما يرنو إليه.