مصير سورية لا يتقرر في أمريكا
سمر سامي السمارة
تزعم الولايات المتحدة أن تواجدها العسكري في الجزيرة السورية يهدف إلى منع عودة ظهور تنظيم “داعش”، ولكن في الواقع لا يمكن لأحد أن ينكر أن هذا التواجد، ونظام السياسة العامة الذي تتبعه، يهدفان إلى التقليل من المكاسب العسكرية والسياسية لسورية طيلة سنوات الحرب الطويلة، فمن ناحية، يهدف الاحتلال العسكري الأمريكي المباشر إلى إعاقة توحيد وسلامة الأراضي السورية، ومن ناحية أخرى، يعمل على حرمان الدولة من مصدر دخل بالغ الأهمية من احتياطات النفط السوري الذي يمكن أن تستخدمه الدولة لإعادة الإعمار، وفي الوقت نفسه، تعمل العقوبات الأمريكية غير الشرعية وأحادية الجانب كعامل ممرض اقتصادي يمنع وصول الموارد المالية الكافية للبلد، إذ إن سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية التي تتمحور حول نهب مواردها، ومعاقبتها، تعتبر عاملاً حاسماً في محاولات الولايات المتحدة تدمير الدولة السورية، وبالرغم من ذلك، فقد فشلت تلك المحاولات في جعل الحكومة السورية تغيّر سياستها أو تحالفاتها مع الدول الصديقة التي تقف مع الدولة السورية.
لقد آن الأوان كي تدرك الإدارة الأمريكية الجديدة أن سياسة إدارة ترامب السابقة كانت خطأ جسيماً، وأن نظام العقوبات مهما طال لن يؤثر في مواقف الدولة السورية، وصمود شعبها، وقد أظهر تقرير صادر عن مركز “كارتر” مؤخراً أنه من خلال القيود المفروضة على بعض السلع والخدمات، والقنوات المالية، والشركاء التنفيذيين، قيّدت العقوبات دور الدولة السورية، بل وغيّرت مسارات الأزمة السورية برمتها، ويوضح التقرير كيف يمنع نظام الترخيص المعقد- بشكل متعمد- العمل بحرية، ويبيّن أن تعقيدات هياكل الترخيص والرسوم القانونية الباهظة التي يمكن أن تصل إلى 170 ألف دولار أمريكي، اللازمة للتنقل في إطار العمل، غالباً ما تعيق التسليم السلس والسريع للمساعدات الإنسانية، الأمر الذي يؤثر على مرونة المنظمات الدولية غير الحكومية في الاستجابة لحالات الطوارىء، لاسيما ذات الموارد المحدودة.
لا يقتصر نظام العقوبات الأمريكية المفروضة حالياً على المساعدات الإنسانية فحسب، لكنه يشمل أيضاً الشركات التي تدعم أو تشارك في معاملات مهمة مع الحكومة السورية، ومع شركات سورية محددة، وأفراد وشركات غير أمريكية تدعم إنتاج الحكومة السورية للنفط والغاز، ما يعني أن نظام العقوبات موجود لخدمة المصالح الأمريكية، في حين أنه يمنع الشركات غير الأمريكية من دعم إنتاج النفط والغاز السوري، إذ يسمح للشركات الأمريكية الغامضة التي يديرها عسكريون أمريكيون سابقون بالعمل في الجزيرة السورية ونهب نفطها، وبالتالي، فإن العقوبات الأمريكية على النفط السوري مصممة بشكل متعمد للسماح للشركات الأمريكية باستغلال النفط السوري والاستفادة منه.
بالرغم من أن السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية تتمحور حول جعل الدولة السورية ترضخ، ولكن من الواضح أنها فشلت، ما يجعل تغيير سياستها أمراً ضرورياً، ويبدأ ذلك بإلغاء جميع العقوبات، وبسط سيطرة الدولة على كامل الأراضي السورية، وهنا نتساءل: هل تهدف إدارة جو بايدن إلى مراجعة سياستها في سورية، ورفع نظام العقوبات بالطريقة التي راجعت فيها إدارة ترامب سياساتها في عشرات المجالات الأخرى؟.
اعترف أنتوني بلينكن عندما كان مستشار السياسة الخارجية لبايدن في حزيران 2020 في إحدى مقابلاته أن سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية كانت فاشلة، وقال: “ينبغي على الإدارة السابقة أن تعترف بأننا فشلنا ليس بسبب عدم المحاولة، لكننا فشلنا، لقد فشلنا في منع وقوع خسارة مروعة في الأرواح، وفشلنا في منع تشريد السوريين داخلياً في سورية، وبالطبع خارجياً كلاجئين”، ومع ذلك، بقدر ما يمكن أن يكون ذلك مثالاً للأمريكي النموذجي، فإن سياسة بايدن الجديدة تختلف عن إدارة ترامب بقدر ما يراها ميزة في إعادة الانخراط في المسار الدبلوماسي للحل، ويأتي هذا الاعتراف بالفشل على خلفية الحروب الأمريكية التي لا تنتهي في أفغانستان والعراق وسورية، وضرورة الانسحاب من هذه المناطق، في حين لم يتبيّن بعد ما الذي ستفعله الإدارة الجديدة فيما يتعلق بسورية، فقد قالت بالفعل إنها تراجع خطط الانسحاب الأمريكية من أفغانستان، بعد ذلك، وقد لا يتضمن مسار العمل المحتمل الذي ستتخذه الإدارة الجديدة انسحاباً فورياً من الأراضي السورية.
من المؤكد أن مسار العمل المحتمل سوف ينبع من إدراك الولايات المتحدة بأنها فقدت نفوذها في سورية منذ مدة طويلة، وأن استعادة سورية لكامل أراضيها وعودة الأمن والأمان إلى ربوعها لا يمكن أن يكون صناعة أمريكية، بل هو بأيدي شعبها وجيشها وقيادتها، فقط لا غير.