الخاسر في الحب رابح أيضاً
حلب- غالية خوجة
لو لم يحب “بيتهوفن” الموسيقا، هل استمر في إبداعات الخالدة وهو أصمّ فيزيقياً ومصْغٍ ميتافيزيقياً؟.
يتّسع مفهوم الحب ليضمّ بأجنحته نبضات الكون وإيقاعات المجرات والكواكب والنجوم، وتحولات الأحوال ومقامات الكلمة والمعنى، والموسيقا الأولى التي نسمعها من قلوب أمهاتنا وهي تربطنا بوشائج المحبة الإنسانية لنحب أنفسنا والآخرين والمجتمع والوطن والقيم والكلمات الطيبات.
ويظلّ الحب منتصراً لأنه القيمة العليا لوجودنا الكينوني الحضاري، وهذا ما أكدت عليه الذاكرة الماضية والحاضرة والمستقبلية منذ الأبجدية الفينيقية ورسوم الكهوف، وهو ما نراه مشرقاً في العديد من الأعمال الإنسانية، منها تمثيلاً: رواية “الحرب والسلام” لتولستوي، و”الحب في زمن الكوليرا” لماركيز الذي أصابه الزهايمر لكنه لم ينسَ أن يقول لصديقه: “لا أعرفك! لكنني أعرف أنني أحبك”، وأيضاً، ما كُتب كلامياً ولونياً وحركياً من واقع فصول العشرية الظلامية التي انتصرت عليها سوريتنا الحبيبة وانعكست شعرياً وقصصياً وروائيّاً ومسرحياً وأغنيات وموسيقا وأعمالاً تشكيلية وفنية أخرى.
شفافية عميقة
مهما اختلفت آراؤنا إلاّ أنها تلتقي مع المشعّ من المحبة والحب الذي رآه الكاتب والإعلامي معن الغادري مدير مكتب صحيفة “البعث” بحلب قيمة سامية تنبض بحب الوطن والأم والأرض والحياة، لأن الحب لا يُختزل، فقط، بحب المؤنث والمذكر، بل يشعّ معناه العميق من خلال التكامل الناصع لمفهومه الشمولي، فلا يمكن أن نفصل دلالة للحب عن دلالة أخرى، كما لا يمكن للحياة أن تكون حياة إلاّ إذا فاحت بالحب المتّسع والواسع، تماماً، مثل موسيقا الفضاء النابضة من القلب والضمير والكلمة والفعل.
بحر الحياة الآمن
ورأت الكاتبة والإعلامية إيمان كيالي أن الحب هو هبة الله، وهو طفل يعيش في أعماقنا، ومرفأ الأمان، وبحر لا ينتهي مليء بالغموض والأسرار، وأكملت: إن لم نكن نشعر بالحب فهذا يعني أننا لا نحيا، لأنه عطر الحياة الزوجية والعائلية والاجتماعية، ولولاه لانعدمت الحياة وفقدنا القدرة على التناغم والتعايش والعطاء والتسامح والسعادة وتحدي الحزن، وهو في أيامنا أصبح نادراً لا تعرفه إلاّ القلوب الصافية، لأن القلوب الخاوية من الحب كصحراء مقفرة معدومة الحياة.
رسالة الفنون
بينما أكد التشكيلي إبراهيم داود أن الحياة بتفاصيلها وشموليتها مبنية على الحب، وأضاف: الفن مبنيّ أساساً على الحب المتّسع الشامل لكافة العلاقات الإنسانية، وأعمالي تناقش مشكلات الناس وحياتهم من خلال الحب، وبقائي، وبقاؤنا، على أرض هذا الوطن حب، نبني الحياة بالحب، وعندما ينتهي الحب تنتهي الحياة، فلا حياة بلا حب.
عيد المحبة
الكاتبة التشكيلية ناديا سعيّد قالت: الحب الذي حدثنا عنه الشعراء والفلاسفة منذ مئات السنين هو ذاته الحب الذي يحدثنا عنه علماء النفس المعاصرون، وإن اختلفت الكلمات والمعاني، لأنه كلمة طيبة، وعمل إنساني، وإضاءة شمعة تنير درب تائه، وأقترح أن يطلق على عيد الحب “عيد المحبة” لنرى العالم أكثر إنسانية وجمالاً وإيجابية مع ذواتنا والعالم، لذلك علينا أن نزرع الحب في نفوس الأجيال ليكونوا أكثر عطاء وثباتاً واستقراراً نفسياً لبناء مجتمع متماسك.
المنصة تؤالف القلوب
أمّا الفنان المسرحي غسان مكانسي، فلفت إلى أن الحب منظومة من القيم الجميلة اجتماعياً وإنسانياً وحضارياً، وجميع الديانات السماوية ركزت على الحب، والسماء أهدتنا إياه، ورغم أن الغالبية أزاحت هذه الكلمة ومعانيها إلى مجالها الضيق بين المؤنث والمذكر، إلاّ أنها تظلّ مجموعة القيم التي تدفع الجندي للاستشهاد من شدة حبه العميق لوطنه، وتجعل المبدع يستمر في إنجازاته، لأن الحب نقاء إنساني لو أدركت حقيقته البشرية لما وصلت إلى الحروب والعداوات.
وعن دور المسرح، أجاب: المنصة تؤالف بين القلوب، وتنشئ حالة اجتماعية وفكرية وحياتية بين العرض والحضور، وتمنح إحساساً جديداً في الحكاية عن العرض، ليصبح لهذا العرض المسرحي حكايات بعدد المشاهدين. وتابع: نبتة الحب سوريّة، وشعبنا يحافظ على قيمها، لأن حياتنا قائمة على الحب، ولا بد من العودة، دائماً، إلى الحب دون تشويه، ولنتعلمه من الحيوان والنبات، ولنتركه الضوء المشعّ على الجميع لنتكامل إبداعياً وإنسانياً.
ضرورة حياتية
ورأت التشكيلية القاصة شكران بلال أن الحب حالة من الجمال تجعل النفس البشرية في سعادة مطلقه تعيشها في الفؤاد، ولا تستطيع كتمانها، لأن الحب ضرورة حياتية خلقها الله في أرواحنا وأجسادنا لنتمكّن من الاستمرارية في الحياة وتقلباتها، وتتنوّع أشكاله الأسرية الاجتماعية، لكنه يعكس محبة الأفراد لمجتمعهم وتقدّمه، فينبني على العطاء.
مجلدات
وبدوره، اختصر الشاعر الغنائي صفوح شغالة إجابته بقوله: سؤال يحتاج إلى مجلدات.