قضاء أردوغان يُعزّز رصيد القمع بمزيد من الأحكام الانتقامية
يعزز قضاء أردوغان، الذي يُتهم من منظمات حقوقية دولية ومن دول بعضها حليفة للنظام التركي بأنه مُسيس، باستمرار رصيده بالمزيد من الأحكام القاسية بحق نشطاء ومعارضين لرئيس النظام رجب طيب أردوغان بتهم توصف في الغالب بأنها كيدية وانتقامية.
وفي أحدث حكم قابل للاستئناف، لكنه لا يخرج عن سياق سياسة ترهيب الخصوم، قضت محكمة في اسطنبول اليوم الاثنين بسجن الناشطة الحقوقية التركية إرين كسكين ستة أعوام لـ”إدانتها” بالانتماء إلى “منظمة إرهابية”.
وكسكين هي إحدى أشهر محامي حقوق الإنسان في تركيا، وكتبت على موقع تويتر أنه سبق أن واجهت اتهامات عدة مرات وسُجنت بسبب آرائها السياسية، إلا أنه لم يسبق أن تم الحكم عليها بتهمة الانتماء لجماعة إرهابية.
ووصفت ميلينا بويوم من منظمة العفو الدولية عبر تغريدة على حسابها بتويتر، الحكم بأنه “ظلم هائل”، مضيفة “لقد كرست إرين كسكين حياتها للدفاع عن حقوق النساء والسجناء، وناضلت من أجل العدالة لعائلات المختفين”.
وكانت كسكين رئيسة تحرير فخرية لصحيفة “أوزجور جونديم”، والتي تم حظرها بمرسوم بعد الانقلاب العسكري الفاشل في عام 2016.
وقال محام: إن المحكمة أصدرت اليوم الاثنين أحكاما بالسجن على أربعة من العاملين في صحيفة متوقفة الآن عن الصدور أدينوا بتهم تتصل بالإرهاب، مضيفا أن دوافع الحكم سياسية.
وصحيفة أوزجور جونديم واحدة من أكثر من 130 وسيلة إعلامية أغلقتها سلطات أردوغان خلال حالة الطوارئ التي أُعلنت بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016 ضمن حملة أثار اتساع نطاقها قلق حلفاء أنقرة في الغرب ومنظمات حقوقية.
واعتقلت السلطات التركية نحو 24 من العاملين في أوزجور جونديم في 2016.
وفي ذلك الوقت أغلقت محكمة الصحيفة باعتبار أنها تنشر دعاية حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية.
وقال المحامي أوزجان كيليج إن الحكم على الناشطة الحقوقية ورئيسة التحرير المناوبة للصحيفة إيرين كيسكين يشمل أيضاً سجن اثنين آخرين من العاملين بالصحيفة لمدة ست سنوات وثلاثة أشهر لكل منهم لإدانتهم بعضوية منظمة إرهابية.
وأضاف أن زانا بيلير كايا رئيس التحرير المناوب الآخر صدر عليه حكم بالسجن سنتين وشهر لإدانته بنشر دعاية إرهابية.
وقال كيليج أيضا إنه يعتقد أن الحكم سياسي وأنه أقسى من الأحكام التي صدرت في قضايا مماثلة، مضيفا أنه سيستأنف الحكم.
وما واجهته الناشطة التركية كيسكين وتواجهه باستمرار ليس استثناء في سياقات أوسع تتعلق بتضييق الخناق على الحريات، فهي واحدة من عشرات يلاحقهم القضاء التركي بتهم باتت جاهزة مسبقاً هي إما الإرهاب أو الانتماء لمنظمة إرهابية (ومن ضمنها منظمة فتح الله غولن أو حزب العمال الكردستاني) أو إهانة أردوغان، وهي تهم تعتبرها المنظمات الحقوقية الدولية والمعارضة التركية تهماً كيدية وانتقامية وورقة يشهرها النظام كلما تعلق الأمر بانتقاد سياساته أو الاختلاف معه في الرأي.
وتقف قضية كسكين شاهدة على حجم القمع الذي تعيشه تركيا منذ تولي أردوغان الرئاسة وبعد تعديلات دستورية منحته صلاحيات تنفيذية واسعة.
ووراء القضبان مئات من الإعلاميين والنشطاء والمعارضين السياسيين ممن زجت بهم أجهزة أردوغان في قضايا مفتعلة فقط لتصفية حسابات سياسية أو شخصية ومن بين هؤلاء نواب وأعضاء في حزب الشعوب الديمقراطي وآخرون حتى من الأكاديميين والحقوقيين وموظفون سابقون في المؤسسات الحكومية.
وكان أردوغان قد دشن بعد الانقلاب الفاشل في 2016 حملة تطهير واسعة تخللتها اعتقالات عشوائية لمجرد الشبهة وشكلت أسوأ منعطف في منحى القمع وأسست لأوسع الملاحقات القضائية بذريعة التورط أو الانتماء لمنظمة فتح الله غولن.
وذهبت الانتقادات الأوروبية لحملة التطهير إلى حدّ اتهام النظام التركي بأنه انحرف بمسار الديمقراطية والتعددية إلى مسار القمع والانتقال بتركيا من دولة القانون إلى دولة الاستبداد.
وبعيدا عن الخوض في التفصيلات والتقاطعات في المحاكمات المشابهة لمحاكمة كسكين، تبقى الأشياء الظاهرة والراسخة هي أن مثل تلك المحاكمات والملاحقات القضائية تحولت إلى سياسة وأسلوب ممنهج في التعاطي مع القضايا الحقوقية بمنطق التسييس ولفت الأنظار عن الحقائق والأزمات.
وعادة ما يشغل النظام التركي الرأي العام المحلي والدولي بقضايا ينحرف بها عن أصلها ومسبباتها ليغرقها في مسائل الأمن القومي والهوية، عازفا على كل الأوتار لمداراة عجزه عن مواجهة الحقائق ومعالجة الأزمات.