ما الذي يجري في فرنسا؟
إعداد: هيفاء علي
في بهو جميع المدارس الفرنسيّة يوجد لافتات كبيرة تحمل شعار البلد المعهود: “الحرية، المساواة، الإخاء”. كان هذا الشعار حاضراً في المدارس، لكن ماذا عن اليوم؟.. ماذا حدث للحرية والمساواة والإخاء؟.
لقد تعرّضت الحرية للدهس تحت الأقدام من قبل السياسيين الفرنسيين بحجة خاطئة مفادها أن فيروس كورونا وباء خطير جداً، وأنه سيقتل ملايين الأشخاص، وبالتالي كان من الضروري أن يتمّ فرض الحجر عليهم بشكل رسمي، لاحترام جميع أنواع تدابير قتل الحرية، بما في ذلك إغلاق المطاعم والحانات، هذه الأماكن الودودة التي لطالما ارتبط بها الفرنسيون. تمّ تقييد حرية التنقل، وتقييد حرية التعبير، ويتمّ الآن التحكّم بحريّة المعلومات من خلال الرقابة بأمر من الدولة الفرنسية. على سبيل المثال، أصبحت صحيفة “فرانس- سوار” اليومية على الإنترنت تخضع للرقابة لأنها تجرأت على نشر مقالات ومقابلات ذات موضوعية ملحوظة حول فيروس كورونا لا يمكن العثور عليها في أي مكان آخر. حُرم الأطباء الأكفاء والمشهورون عالمياً من أصواتهم، كما أن الحكومة، في الأيام الخوالي لنظام فيشي، كلفت نقابة الأطباء، وهي منظمة فاشية أنشأها بيتان، بمقاضاة الأطباء المتمرّدين بحجة واهية أنهم دجالون. لقد حُرم هؤلاء الأطباء أنفسهم من حريتهم الأساسية في وصف الأدوية التي يؤمنون بأنها ناجعة وبناءً على قوة خبرتهم السابقة التي يمكن أن تنقذ الأرواح، وهو واجب الطبيب الأساسي.
وماذا عن المساواة؟. في فرنسا، حيث توجد مساواة أمام القانون فإن العدالة في أيدي السياسيين، ومع ذلك فإن هذا الفصل بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية هو أساس الديمقراطية. أما بالنسبة للسلطة التشريعية، فيكفي الاستماع إلى ممثلي الشعب في البرلمان وفي مجلس الشيوخ، فهم تحت السيطرة الكاملة، لم يعد لممثلي الشعب المنتخبين الحق في الكلام لأن السلطة تصدر المراسيم. إضافة إلى ذلك، تتحكّم هذه القوة بقنوات المعلومات العامة لأنها هي نفسها مسيطر عليها من قبل نحو 7 أو 8 شخصيات تنتمي إلى طبقة “المال”، كما قال إيمانويل عالم الاجتماع الفرنسي. وهكذا تنقسم فرنسا إلى طبقتين: الأغنياء والحكام، وسائر السكان الذين لم يعد لهم الحق في الكلام.
أما الإخاء؟ فلم يعد له أي وجود منذ فترة طويلة، باستثناء بعض المؤسّسات الخيرية التي تقاتل لمنع جحافل الفقراء من الذهاب إلى الموت. ليس هناك شيء أكثر من ذلك يمكن إضافته للإخاء، كل شخص يفكر بنفسه فقط، وقد تضخّم هذا الموقف بسبب فيروس كورونا، لذلك لا أمل يُرجى منه.
وهنا يتساءل مراقبون: ما الذي يحدث بالضبط في فرنسا؟. وسرعان ما يأتي الجواب منهم، مجرد انجراف بطيء ولكنه مؤكد نحو الشمولية الاستبدادية، وهو الانجراف الذي تمّ وضعه في خطوات صغيرة لإعداد وتهيئة البلاد لعملية “إعادة الضبط الكبرى” التي أوصى بها كلاوس شواب -مؤسّس المنتدى الاقتصادي العالمي- وطائفته فوق الوطنية من القادة السياسيين فاحشي الثراء الذين يتحدّر منهم إيمانويل ماكرون.
في الوقت الحالي، هذا الانجراف نحو الشمولية تحجبه حالة الطوارئ الصحية، وهناك تفسيران بديلان للأمر: إما أن ترفض السلطة الاعتراف بأكاذيبها وأخطائها العديدة في إدارة الوباء، وهذه الأخطاء تتراكم يوماً بعد يوم، أو أن السلطة السياسية مقيدة بقبضة اللوبي الصيدلاني، بمعنى أنها فاسدة، وتفعل كل شيء حتى لا يتوقف الوباء، بل كي يستمر ويعود بأكبر فائدة لشركات الأدوية. اللوبي الصيدلاني من أكثر أعضاء طائفة شواب نفوذاً، فهل الرئيس الفرنسي نفسه فاسد؟.
يحقّ للفرنسيين طرح السؤال، ولكن لم يعد القضاء مستقلاً عن السلطة التنفيذية، لذلك لن يفوّض قاضي التحقيق أبداً ليطّلع بالتفصيل على ما يحدث بالفعل في المستويات العليا من السلطة. وإذا حاول الصحفي الاستقصائي الشجاع كشف أسرار فساد السلطة، فسيكون رجلاً عسكرياً أو حتى “منتحراً”. ومع ذلك، يمكن للمواطنين الفرنسيين دائماً أن يحلموا بمستقبل أفضل حتى لو بدا مجرد وهم!.