مواجهة العجز المائي بالتعويل على الهطولات المطرية.. والمشاريع تنتظر الإنجاز؟!
لا تزال المشاريع التي تزمع وزارة الموارد المائية القيام بها قيد الإنجاز منذ أكثر من 10 أعوام، والبعض منها يزيد عن الـ 20 عاماً، ورغم تغيير المسؤولين المكلّفين بإدارة دفة “الموارد”، إلا أن هذه المشاريع بقيت “مكانك راوح”، في وقت تعوّل الوزارة على الهطولات المطرية لجهة التخزين في السدود التي تحتاج لإعادة تأهيل منذ سنين خلت، لتقتصر أعمال الموارد المائية على سدة مائية هنا، وأخرى هناك، ومحاولة بمكان آخر لتفعيل جمعيات مستخدمي المياه، ولم نتحدث عن مشروع حصاد الأمطار الذي لم يطبق حتى يومنا هذا، وإن وجد فهو غير فعّال.
تدابير ضعيفة
إن كان العجز المائي خطراً يهدد العالم فإن الهطولات المطرية في العامين الفائتين مبشّرة، كما قال المعنيون بالشأن المائي، ولكن هل استثمرت كوادر الموارد المائية كرم السماء؟ ولماذا لم يتم لحظ حال السدود من تشققات واهتراءات حتى الآن، لاسيما أن الأمطار “غير محاصرة”، ولا مبرر للتقاعس عن تخزينها؟ وهل غزارة “الغيث” في العامين الفائتين مبرر للنوم في النعيم؟.
المهندس بسام أبو حرب، مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الموارد المائية، بيّن لـ “البعث” أن الهيئة العامة للموارد المائية تستكمل إنجاز المشاريع التي هي قيد التنفيذ، وأهمها استكمال تنفيذ سدي فاقي حسن وبرادون في اللاذقية، وسد البلوطة في طرطوس، وإعادة تأهيل سدي المشنف والغيضة في السويداء، وتم رصد مبلغ يقارب 5.3 مليار ليرة لهذه المشاريع في خطة العام الحالي، وفي مجال السدات المائية أشار أبو حرب إلى تنفيذ سدتي عين التينة وشرق حطين، واستكمال الأحواض التخزينية لحوض السن في اللاذقية، وسدتي عين دليمة وبمنة في طرطوس، وسدة مريمين في حمص، واستكمال الحوض التجميعي في كفر عقيد في حماة بعد رصد مبلغ 2 مليار خدمة لهذه الغاية، وفيما يتعلق بشبكات الري، العمل جار على إعادة تأهيل شبكة ري حمص- حماة، وشبكة ري جوسية وزيتا في أعالي العاصي، وشبكات السدود الصغيرة في حمص، وصيانة شبكات ري G1، و G2 في سهل الغاب، بالإضافة إلى أن الهيئة قيد التعاقد على تأهيل محطات ضخ بريقة في القنيطرة، والهرير1 في درعا، وشبكة ري الثعلة في محافظة السويداء، حيث تم رصد مبلغ 5.1 مليار ليرة لهذه المشاريع، وبالتوازي تم رصد مبلغ مليار ليرة في خطة العام الحالي لمشاريع الصيانة والاستبدال بشبكات الري في كافة المحافظات، والتي تتم بمحطات الضخ وخطوط الري وفق الضرورة .
سدود منهكة
رغم أن واقع السدود ومشاكلها ليست وليدة عام وعامين، إلا أن الإدارات المتعاقبة لم تخط بهذا المسار، ولم تتخذ إجراءات فعلية لتخزين المياه، والأعذار المقدمة من قبل المسؤولين لا ترتقي للمستوى المطلوب، حيث اعترف مدير التخطيط والتعاون الدولي بأن كلمة ترميم لا تعبّر عن واقع الحال، فالسدود تحتاج لمراقبة فنية خاصة، وصيانات دورية، وأخرى طارئة، وقد تتطور الحالة لدرجة إعادة تأهيل السد، والموارد المائية لم تقف مكتوفة الأيدي، فقد أكد أبو حرب على التدخل مباشرة بعد تحرير مناطق السدود من قبل بواسل الجيش العربي السوري، وقامت الوزارة بالكشف الفني، وإنجاز الدراسات اللازمة لتأمين الاحتياجات الضرورية لاستثمار المحرر منها بشكل جيد، والمحافظة على أمانها واستقرارها، وبعد إنجاز الدراسات قامت الموارد المائية بإعداد خطة وطنية لتأهيل مشاريع الري وفق الأولويات الفنية، (الحاجة الفعلية لتخديم الأراضي الزراعية، ونوعية الحالة الفنية في السد التي تحتاج إلى حلول فنية معينة)، ووفق توفر الإمكانيات المالية التي تساعد على إنجاز أعمال التقييم والمراقبة والصيانة، وصولاً إلى أعمال إعادة التأهيل وفق الأولويات على المدى القريب والمتوسط والبعيد، إضافة لمجموعة مشاريع استراتيجية، حيث الكلف التقديرية لإعادة تأهيل وتقييم وصيانة السدود ومنظومات القايس لها على المدد الثلاث قاربت الـ 51 مليار ليرة، أما المعافى منها وتحت السيطرة فقد وصل التخزين فيها للحد الأعظمي، إذ أشار أبو حرب إلى أن الهطولات المطرية الجيدة خلال الموسمين السابقين (التي تجاوزت المعدل السنوي في أغلب المناطق)، كان لها الأثر الجيد على التخزين، وكون الاستجرار السنوي للري منها يتم وفق مقننات محددة، وبرامج ري منتظمة وفق الخطط الزراعية الموضوعة، بالتنسيق مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، فقد تمكنت الوزارة، بحسب أبو حرب، من الحفاظ على مياه السدود حتى الموسم الحالي دون أن يكون هناك هدر، وباعتبار الموسم المطري الحالي لم ينته بعد فإن “الموارد المائية” تعوّل على الهطولات مهما كانت شدتها، إذ ستنعكس إيجاباً على التخازين، وبالتالي سيتم تنفيذ موسم الري وفق ماهو مخطط، والجدير ذكره أن تخازين السدود في الهيئة العامة للموارد المائية خلال الموسم الجاري بلغت حوالي 1445 مليون م3 لغاية 1/2/2021، بينما بلغ التخزين الأعظمي المقابل في العام السابق 1785 مليون م3.
مائي زراعي
وفي مجال التعاون مع وزارة الزراعة، أشار أبو حرب إلى قيام مديريات الموارد المائية بالمشاركة في إعداد الخطة الزراعية، بالتنسيق مع مديريات الزراعة والإصلاح الزراعي بالمحافظات، ووضع الخطة الزراعية الفرعية من قبل اللجان الزراعية الفرعية برئاسة المحافظين، ومشاركة اتحاد الفلاحين، وبعد ذلك يتم وضع الخطة الزراعية بالتنسيق بينهم جميعاً لتصدقها رئاسة مجلس الوزراء لاحقاً، وهذه الخطة تكون مبنية على الموارد المائية المتاحة التي تتكون من الآبار والسدود والينابيع والأنهار والبحيرات، ويتم ذلك على ضوء الهطولات الواردة في الموسم، وتخازين السدود المتاحة، ومراجعة الخطط الزراعية بداية شهر آذار من كل عام، ونوّه مدير التخطيط إلى أن القطاع الأساسي المستهلك للمياه هو القطاع الزراعي، حيث تشير المعطيات إلى استهلاكه حوالي 88% من الموارد المائية بالمقارنة مع 9% لمياه الشرب، و3% للقطاع الصناعي، ما يستلزم التوجّه للترشيد وعقلنة الاستخدام في هذا القطاع بالتعاون مع “الزراعة” بتحديدها وفق استراتيجيتها، والعمل على إضافة مصادر مائية غير تقليدية عن طريق معالجة مياه الصرف الصحي والصناعي قبل صرفها إلى المجاري المائية، وذلك بهدف استخدامها في الري الزراعي كمصدر إضافي، وحماية الموارد المائية من التلوث.
تعويل على التشاركية
ورغم أن الهدف الأساسي من إحداث جمعيات مستخدمي المياه هو الاستثمار التشاركي للمصادر المائية، ورفع كفاءة الاستخدام، وضبط كميات المياه المستخدمة للري، وخفض تكاليف الإنتاج والاستثمار، إلا أن الأرقام تشير إلى ضعف في التنفيذ رغم الجهود الحثيثة للوزارة في هذا المجال، فمنذ إصدار النظام الأساسي لجمعيات مستخدمي المياه بالقرار رقم 571 لعام 2008، وإصدار هيكلية ومهام مديرية الإرشاد المائي وجمعيات مستخدمي المياه، بلغ عدد الجمعيات المشكّلة في المحافظات، بحسب بيانات وزارة الموارد المائية حتى تاريخه 239 لمختلف الأغراض، منها 210 للأغراض الزراعية، فهل يعتبر هذا الرقم جيداً في عرف الوزارة، لاسيما أن الموارد المائية لم تدخر جهداً من ناحية إعداد البروشورات التوعوية حول مزايا جمعيات مستخدمي المياه، وتوزيعها على كافة الوحدات الإرشادية الزراعية في المحافظات، وتنظيم عدد من الاجتماعات في الاتحاد العام للفلاحين لشرح مزايا الجمعيات لتقديم المساعدة من قبلهم كونهم على تواصل مباشر ودائم مع الفلاحين، إلى جانب تنظيم عدد من الندوات لشرح أهمية الجمعيات، والعمل التشاركي فيها، والقيام بالجولات الميدانية، وعقد اللقاءات، وغيرها كتقديم كافة التسهيلات والمساعدة الفنية لتسهيل عملها، والسماح بالحفر بالمناطق المسموحة خلال تشكيل جمعيات مستخدمي المياه، وتخفيض المساحة اللازمة لتشكيلها من 50 دونماً إلى 25 دونماً في بعض المحافظات، في وقت تضمن مشروع قانون التشريع المائي الجديد دراسة إمكانية تأمين المصدر المائي للجمعيات (بئر – تجهيزات)، واسترداد الكلفة بمدة زمنية معينة؟
وأكد أبو حرب على أن الهدف الأول لوزارة الموارد المائية هو تقديم المياه للمواطنين عبر إعادة وتأهيل شبكات الري الحكومية على كامل مساحة القطر وفق توفر الإمكانيات المتاحة لديها لزيادة المساحات المروية الحالية بعد إنجاز المشاريع التي تم ذكرها، مع الاستمرار بزيادة كفاءة شبكات الري لري المساحات المصممة عليها تلك المشاريع، وإدخال مساحات جديدة في الري بهدف دعم الاقتصاد الزراعي من خلال تأمين مياه الري، وتشغيل المشاريع بالكفاءة اللازمة.
نجوة عيدة