المنتج الفني صلاح طعمة… ظروف الإنتاج في سورية ليست صحية
في رصيده نحو 50 عملاً ما بين مدير إنتاج ومنتج منفذ ومنتج فني، يقيم حالياً في مصر ويعمل كمنتج فني في عدة بلدان عربية، حضر مؤخراً إلى دمشق مرافقاً جثمان صديقه المخرج حاتم علي وهو الذي كان يلازمه منذ العام 2014.
منتج فني
يعمل صلاح طعمة حالياً كمنتج فني في عدة بلدان عربية، موضحاً في حواره مع “البعث” أن المنتج الفني هو الذي يمسك المشروع الدرامي من ألفه إلى يائه وهو الذي يحقق للمخرج الرؤية الفنية والبصرية والمناخ المناسب لإيصال العمل الفني إلى برّ الأمان، وهو أعلى مرتبة في الإنتاج إذ يتمتع بصلاحيات واسعة في اتخاذ القرار الإنتاجي ويقود القاطرة المحركة لكافة الاختصاصات بالتعاون مع المخرج وهو عصب العمل الفني مع فريقه ولديه شبكة اتصالات واسعة ويقوم على التوظيف الاقتصادي للموازنة الموجودة بالشكل الأمثل ولخدمة المشهد البصري لأن أي ضعف أو خلل في اختصاص من الاختصاصات سيؤثر على العمل ككل وهي صفة غير موجودة برأيه في الوسط الدرامي السوري الذي يقوم على وجود مدير إنتاج، وهي صفة تطلق على الكثيرين ممن ليس لهم علاقة بهذه التسمية.
لورانس العرب
عمل أ.طعمة كمنتج منفذ في مسلسل “لورانس العرب” إلا أن المنتج خذله، ومع هذا رفض التراجع عن تنفيذه أمام الوسط الفني السوري، فتحمَّل إنتاجه وكانت خسارته المادية كبيرة لأنه لم يوزَّع جيداً، مبيناً طعمة أن التوزيع ليس له علاقة بالسوية الفنية للعمل، وهذه مشكلة الإنتاجات العربية كلها، فأحياناً يباع ويوزع ويبث عمل كوميدي ساذج عشرات المرات وهذا يتوقف على شطارة الموزع وعلاقاته التسويقية بعيداً عن السوية البصرية وهي موهبة يمتلكها البعض، والبعض الآخر لا يمتلكها، كما تلعبُ المصالح والعلاقات الشخصية برأيه دوراً كبيراً في موضوع التوزيع.
التسويق قبل الإنتاج
يبين صلاح طعمة أن الأعمال سابقاً كانت تُسوَّق بعد الإنتاج، أما اليوم فالوضع أصبح مختلفاً حيث لا يمكن تسويق العمل بعد إنتاجه، وإذا أُنتج قبل التسويق يتعرض لمخاطر كثيرة، لذلك بات سائداً اليوم التعاون بين شركة إنتاج ومحطة ما تضمن العرض، ويكون للمنتج الحق في توزيعه لمحطات أخرى، كما يمكن أن تقوم قناة ما بتكليف شركة بتنفيذ وإنجاز عمل بمضمون وتوجه معين كمنتج منفذ أو تقوم شركة بتقديم مشروع لمحطة من المحطات ويتم التوافق عليه بحيث تنفذ الشركة العمل لهذه القناة، مع إشارة طعمة إلى أنه في السابق كان المنتج المنفذ يُنتج مسلسلاً بسوية عالية وبميزانية عالية، أما اليوم فهناك بعض المنتجين غير السوريين يقومون بإنتاج أعمال ذات هوية سورية تأخذ مساحة العروض السورية بحجة وجود مشاركة سوريّة فيه وخاصة بالأعمال المشتركة التي تنفذها شركات في لبنان بالاعتماد على مخرج وبطل سوري، وحين عرضه يُعرض على أنه عمل سوري، ويؤسف طعمة أن هناك بعض الأشخاص السوريين يعملون كمنتج منفذ بميزانية متواضعة، فيقدمون ما يسمى أعمالاً فنية دون أي مقوّمات فنية وفكرية بالاعتماد على وجود كادر فني ومخرج دون المستوى في حين أن نجاح العمل يقوم على وجود مخرج لديه رؤية فنية ومدير تصوير متميز على المستوى البصري إلى جانب توفر العناصر الفنية الأخرى بأعلى المستويات مع نص مكتوب بشكل جيد، حيث يشكل النص 50% من عملية نجاح العمل، مؤكداً طعمة أن قلة من المخرجين الذين يمتلكون رؤية فنية، متمنياً من الجميع أن يتعلموا ممن نجحوا في هذه المهنة أمثال: حاتم علي، شوقي الماجري، الليث حجو، رشا شربتجي، المثنى صبح وغيرهم من الذين حققوا نجاحات كبيرة على صعيد الإخراج، متمنياً أن تتاح الفرص أمام المخرجين الأكاديميين للعمل لأنهم الأمل في تطوير الدراما السورية، شرط توفر مناخات إنتاجية جيدة، مؤكداً أن سورية الولادة دائماً قادرة على رفد المسيرة الفنية بفنانين وفنيين مبدعين.
الحل بالازدهار الاقتصادي
ولا يخفي طعمة أن مرحلة ذهبية مرت بها الدراما السورية، إلا أن الأحداث التي حدثت في سورية أثرت كثيراً في تراجعها، ومع ذلك يرى أنه كان من الممكن تقديم مشاريع بنفس السوية السابقة وبنفس الشروط لو كان هناك محطة ما تتبناها، مبيناً أنه اليوم ليس هناك فرص إنتاج لأن مساحة العرض للعمل السوري في المحطات أصبحت محققة بالأعمال المشتركة والأعمال ذات الهوية السورية التي يقوم بإنتاجها منتج غير سوري وهي أعمال أساءت للعمل السوري، ويؤسفه اليوم أن ظروف الإنتاج في سورية ليست صحية وهناك استغلال حقيقي لحاجة الفنانين والفنيين للعمل من قِبل بعض من يُقدِم على الإنتاج بحجة عدم القدرة على البيع، وهذا غير صحيح برأيه لأن من ينتجون لأنفسهم قلة، وأغلب الإنتاجات في سورية هي مُنتج منفذ، أي أنه هو من يضع سقفاً لميزانية العمل الدرامي.
صاحب مشروع فني
ولأن الفارق كبير بين منتج جاهل يدفع المالً ومنتج مثقف صاحب مشروع فني يرى طعمة أن من يقوم على الإنتاج حالياً لا يملك مشروعاً فنياً، ويستثني من ذلك البعض، موضحاً أن الوضع في فترة من الفترات كان مختلفاً لوجود فنانين يعملون بالإنتاج أمثال الفنان أيمن زيدان الذي كان منتجاً وصاحب مشروع فني إلى جانب أسماء أخرى مثل سلوم حداد والمنتج هلال ارناؤوط وشركة سورية الدولية وغيرهم، فهؤلاء قدموا أعمالاً جيدة بدءاً من انتقاء النص وانتهاء بتسليم العمل للمحطة، فشاهدنا أعمالاً بسويات فنية عالية عكس ما يحدث اليوم حيث تحول الإنتاج إلى عمل تجاري، والعمل الدرامي إلى سلعة، فقدمت أعمال أساءت للدراما السورية نُفذت بطريقة ساذجة، متمنياً طعمة على الجهات المعنية التدخل بعدم الموافقة على النص الرديء وأن لا تسمح نقابة الفنانين بممارسة مهنة الإخراج تحديداً إلا لأصحاب الاختصاص بعد أن استبيحت هذه المهنة من قبل الكثيرين، مؤكداً طعمة أن سورية تمتلك كوادر فنية جيدة لكنها ما زالت تفتقد لوجود التخصصات الأكاديمية وخاصة مهنة مدير التصوير، مع احترامه وتقديره لمن يمارس هذه المهنة والجهد الكبير والرائع الذي قدموه في مرحلة سابقة، في حين باتت الصورة التي يقدمونها اليوم غير مقبولة قياساً بما نشاهده في أعمال عربية أخرى، حيث باتت بعض المنصات تحدد مدير التصوير قبل أن تحدد الممثل لأنها تبحث عن سوية بصرية عالية المستوى.
من ممثل إلى منتج
وعن مسيرته الفنية يشير صلاح طعمة إلى أنه درس العلوم السياسية في سورية وانتسب إلى الكلية الحربية التي تخرّج منها بصفة ضابط، وحين تعرض لحادث سيرٍ اتجه نحو الإعلام، ثم بدأ ممثلاً بأدوار صغيرة، ولأنه من النوع الذي يرفض استجداء الآخرين للعمل ولطبيعته القيادية اتجه إلى المهنة التي يكون فيها صاحب قرار، فبدأ بإنتاج سباعية من خلال تجمّع قام بتأسيسه عام 1994 ثم انتقل للعمل كمدير إنتاج ثم كمنتج منفذ بالشراكة مع المخرج رشاد كوكش في الشركة التي كان مديرها الفنان أيمن زيدان الذي سرعان ما أوكل إليه مهمة مدير إنتاج في مسلسلات “تاج من شوك، أخوة التراب، عمر الخيام، الأرواح المهاجرة” وغيرها، وفي العام 2003 عمل مع شركات أخرى ومع شركة إيبلا وكان أول عمل له معها “الظاهر بيبرس” كمدير إنتاج، كما قام بتنفيذ عدة أعمال منها: قلم حمرة وفيلم كذبة بيضا بمشاركة فنانين أميركيين ومصريين والمسلسل التاريخي أوركيديا ومجموعة من الأفلام غير السورية التي كانت تصور في سورية في مرحلة سابقة، إلى أن عُرض عليه العمل كمنتج منفذ في “لورانس العرب” ومن ثم كمنتج له، حينها تعرض لخسارة كبيرة لعدم توزيعه لأن موضوعه كان لا يناسب بعض المحطات، وفي العام 2010 عمل منتجاً منفذاً لعمل مصري مع المخرج محمد فاضل وفي أعمال سورية وعربية أخرى، وفي العام 2012 نفذ في مصر كمنتج فني مع شركة إيبلا وشركة روتانا “نابليون والمحروسة” إخراج شوقي الماجري وكان من أضخم الإنتاجات العربية، ويسعى حالياً للعمل كمنتج منفذ في سورية لتقديم عمل سوري بهوية سورية وبسوية فنية عالية، متمنياً أن تعود الدراما السورية إلى المكانة والسمعة التي حققتها في السابق من خلال الاهتمام بالجانب الترويجي والتسويقي لها، وهو مدرك تماماً أن هذا التمني يحتاج إلى مقومات للنجاح وهي توفر نصوص جيدة واختيار مخرجين مناسبين يختارون تقنيين وفنيين ذوي مستوى عال بعيداً عن العلاقات الشخصية والمجاملات.
أمينة عباس