بيوت ضيافة في إسطنبول.. ومسجد إسماعيل أغا محطة الانطلاق للرحلات “الجهادية” “باب دوار” لحماية الدواعش.. وطاجيك وأويغور للتسلل إلى سورية بالتواطؤ مع الاستخبارات التركية
“البعث الأسبوعية” ــ تقارير
أدار تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية “داعش”، انطلاقاً من مدينة إسطنبول، مركز رحلات وشبكات “الجهاد” الداعشي، خدمة التنقلات الخاصة بالإرهابيين إلى المناطق المحاذية للحدود مع سورية للحيلولة دون اكتشافهم في وسائل النقل العامة ومن خلال تمويه الرحلات كزيارات للمواقع السياحية والبحث عن عمل.
وفقاً لوثائق قضائية حصل عليها موقع “مرصد الشمال”، فقد أدلى حوالي 12 من إرهابيي “داعش” المحتجزين من الصين وروسيا وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى بشهادات كاذبة في المحكمة بأنهم كانوا إما في رحلة لمشاهدة المعالم والمواقع السياحية في المقاطعات الحدودية التركية، أو يبحثون عن وظيفة. ويبدو أن “داعش” زوّدتهم بقصص يمكنهم الإدلاء بها في حال تم القبض عليهم.
ومع ذلك، فإن هؤلاء المرتزقة الإرهابيين لم يناقضوا بعضهم البعض فقط في تصريحاتهم، بل إن شهاداتهم لم تتوافق مع الروايات التي قدمها السائقون الأتراك الذين كانوا يتقاضون مبالغ مرتفعة مقابل نقلهم إلى المناطق الحدودية في الطريق إلى سورية. وقد اعترف أحد هؤلاء السائقين في المحكمة بأنه قدم العون لـ “سائح” كان يريد بالفعل الانضمام إلى “داعش” من خلال عبور الحدود مع سورية.
وكشفت الوثائق عن كيفية قيام “داعش” بإعادة توجيه “مجنديها” بسهولة من منازل آمنة في اسطنبول، وتمويل رحلاتهم وإرسالهم إلى المناطق الحدودية مع سائقين خاصين مستأجرين لتجنب الركوب في وسائل النقل العامة. وتوفر القضية أيضاً أدلة على سياسة الباب الدوار التي نفذتها حكومة الرئيس الإخواني رجب طيب أردوغان عندما كان يتعلق الأمر بوقف توريد “الجهاديين” إلى سورية. ففي معظم الحالات، تم الإفراج عن هؤلاء بعد اعتقالات قصيرة أو الحكم عليهم بعقوبات متهاودة.
وفي هذه الحالة بالذات، تم القبض على المشتبه بهم في 2 آذار 2016، عندما أوقفت الشرطة قافلة من ثلاث سيارات في محافظة كهرمان مرعش. وتم تقديمهم إلى المحكمة لتوجيه الاتهام إليهم واعتقلوا رسمياً. لكن تم إطلاق سراحهم في وقت لاحق، واعتقل بعضهم مرة أخرى في محافظات أخرى في عمليات تمشيط منفصلة بحثاً عن تنظيم “داعش”.
وفقاً لشهادة أحد السائقين، كانت نقطة التقاء الإرهابيين الذين يأملون في الالتحاق بـ “داعش” هي مسجد إسماعيل، الواقع في منطقة أكساراي في إسطنبول. أوضح السائق جلال الدين أكشيتين، المجرم المدان والبالغ من العمر 38 عاماً، أنه تم توجيهه إلى نقطة الالتقاء عبر رسالة واتسآب. قال إنه عندما نقل أحد الركاب، اشتبه في أنه من “داعش”، لكنه لم يهتم لأنه بحاجة إلى المال. وقد سلم “مندوبو داعش” الأموال للسائقين بالقرب من المسجد، حيث تبدأ رحلة المجندين الجدد إلى محافظة غازي عنتاب الحدودية.
لم يرغب التنظيم التكفيري في جذب انتباه السلطات المحلية من خلال إرسال جميع المسلحين في حافلة صغيرة أو حافلة واحدة. وبدلاً من ذلك، بادر إلى وضعهم في ثلاث سيارات، مع ترقب السيارة الأمامية لنقاط التفتيش المحتملة وتنبيه الأخريات، فإن توقفت إحدى السيارات، يمكن للأخريين المضي قدماً في خطتهما عن طريق تغيير مسار الرحلة.
بالقرب من غازي عنتاب، طلب مصطفى درسون، وهو سائق آخر في القافلة، من زميله أكشيتين إعادة تغيير مساره إلى كهرمان مرعش إلى الشمال من طريق غازي عنتاب. في الطريق، أوقف رجال الدرك السيارة التي كانت في نهاية القافلة عند إحدى نقاط التفتيش لكنهم تركوها. وعند مدخل كهرمان مرعش، أوقفتهم الشرطة ووضعتهم قيد الاحتجاز.
قال ميديني كوجاك، وهو تركي يبلغ من العمر 51 عاماً كان يرافق ابن أخيه سنان كوجاك، سائق السيارة الرئيسية في القافلة، إن سنان أخبره أنهم سيزورون “جماعة المنزل”، وهي مجموعة دينية موالية للحكومة، في مقاطعة أديامان. بالقرب من غازي عنتاب. وقد فهم من المحادثات الهاتفية التي أجراها سنان خلال الرحلة أنهم كانوا في الواقع يقودون سيارتين أخريين متجهتين إلى وجهة ما قرب الحدود. وأضاف أنه في الطريق تم تغيير المسار إلى كهرمان مرعش. قال ميديني أيضاً إنه حصل على 600 دولار مقابل رحلة مماثلة قام بها مع ابن أخيه قبل حوالي 15 أو 20 يوماً من ذلك.
اعترف سنان في شهادته بأنه أخطأ وأعرب عن ندمه. وقال إن أكشيتين طلب منه قيادة قوافل “داعش” مرتين، وأنه يعرفه من حي كاينارا المشترك في اسطنبول، وكان يشتبه في أن الرحلة كانت غير قانونية لكنه ادعى أنه كا يعتقد أنه ينقل عمالاً، وليس إرهابيين لـ “داعش”. كان الرجل الوحيد في المجموعة الذي اعترف صراحةً أنهم كانوا ذاهبين إلى سورية للانضمام إلى “داعش” هو تركي، يبلغ من العمر 35 عاماً، يُدعى صالح أيرانجي. قال للقاضي إن سبب انضمامه إلى الرحلة هو الانضمام إلى “داعش” في سورية. وأقر إنه كان سيعبر الحدود لو لم يكن محتجزاً في كهرمان مرعش.
اتضح أن أيرانجي كان محتجزاً بالفعل في غازي عنتاب قبل حوالي أربعة أو خمسة أشهر، ووجهت إليه تهم تتعلق بالانتماء إلى “داعش”، لكن تم الإفراج عنه بانتظار محاكمته من قبل المحكمة الجنائية العليا الثانية في غازي عنتاب. وبينما كانت قضيته لا تزال سارية، قام بمحاولة ثانية للذهاب إلى سورية واعتقل مرة أخرى.
أما بالنسبة للإرهابيين الأجانب المشتبه بهم، فقد تراوحت قصصهم من سياح إلى باحثين عن فرص عمل في المحافظات الحدودية التركية. وقد ادعى ياسين علو، مثلاً، وهو جزائري يبلغ من العمر 25 عاماً، أنه جاء إلى تركيا كسائح يحمل 300 يورو في جيبه، وانضم إلى الأجانب الآخرين المتجهين إلى ولاية كهرمان مرعش على البحر المتوسط، لأن وسائل النقل العامة كانت أكثر تكلفة. وقال إنه دفع المال لرجل في اسطنبول للانضمام إلى خدمة سيارات خاصة إلى المنطقة الحدودية، ونفى رغبته في الانضمام إلى “داعش”.
وقال أديليسيانغ روزي، 24 عاماً، وهو صيني من أصل أويغوري، إنه وصل إلى اسطنبول، في 15 شباط 2016، كسائح، ووافق على دفع 150 دولاراً للسائق لزيارة محافظتي أضنة وغازي عنتاب. قال إنه لا يعرف أحداً في المجموعة.
وروى أيشانسيانغ كوربان، صيني يبلغ من العمر 30 عاماً، من الأويغور، القصة نفسها، وقال إنه جاء إلى تركيا للسفر بميزانية قدرها 300 دولار، وخطط لدفع نصف هذا المبلغ للسائق مقابل رحلة إلى المقاطعات الحدودية.
وشهد مايردان ميتينيازي، الإيغوري البالغ من العمر 27 عاماً، والذي جاء إلى تركيا في 26 شباط 2016، أنه التقى بالآخرين في “تكية” لتقديم الطعام في إسطنبول يديرها أشخاص زعم أنهم لا يعرفونه. كما قدم نفس القصة عن رحلة لمشاهدة معالم المدينة إلى غازي عنتاب. قال ميريزاتي ميميتي، وهو من الأويغور يبلغ من العمر 25 عاماً، للمحكمة إنه كان يقيم في مهجع يديره الأويغور في مقاطعة قيصري، وسط تركيا، قبل أن ينتقل إلى اسطنبول، حيث التقى بالآخرين في دار ضيافة. قال إنه انضم إلى الرحلة كسائح، ولا يعرف أن الآخرين في مجموعته يبحثون عن وظائف.
كما قال محمد إبراهيم، الأويغوري البالغ من العمر 36 عاماً، إنه شاهد إعلاناً ترويجياً لمدينة أضنة على شاشة التلفزيون، وأراد رؤيتها بنفسه. وقال إنه التقى بأويغور آخرين من منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم في الصين في مأوى للطعام في اسطنبول، وأنهم قرروا جميعاً القيام برحلة لمشاهدة معالم المدينة.
وشهد صديقي أديلي، وهو صيني من أصل أويغوري يبلغ من العمر 33 عاماً، في المحكمة، أنه جاء إلى تركيا من خلال عبوره بشكل غير قانوني من إيران بتوجيه من مهرب أفغاني، ووصل إلى اسطنبول في 28 شباط 2016. وادعى أن رجلاً التقى به في الشارع، وأخبره أن العديد من الأويغور قد استقروا في غازي عنتاب، وأن هناك الكثير من فرص العمل في المحافظة. وكان على استعداد لدفع 150 دولاراً لسائق تركي لأنه كان يخشى أن يتم احتجازه إذا استقل حافلة إلى المقاطعة الحدودية. وقال إنه لا يعرف أي شخص آخر في المجموعة، وأن هدفه الحقيقي كان الذهاب إلى ألمانيا. في اعترافاته للشرطة، كانت قصته مختلفة تماماً، فقد أكد إنه جاء إلى تركيا ليعيش كرجل حر. وفي محضره أمام المحكمة تراجع عن أقواله أمام الشرطة.
كما قال فردافس رحيموف، وهو أوزبكي يبلغ من العمر 31 عاماً، إنه وصل إلى اسطنبول قبل حوالي 20 يوماً، والتقى أحد المشتبه بهم هناك. وزعم أن أحد أصدقائه نصحه بأن هناك فرصة عمل في مقاطعة غازي عنتاب، ولهذا السبب انضم إلى الرحلة من اسطنبول.
وكان هناك أوزبكي آخر في المجموعة، رجل يُدعى شوكت سوبيروف، 29 عاماً، ادعى أنه ذهب إلى اسطنبول للعمل، في 4 شباط 2016، ومكث مع صديق أوزبكي يدعى ياسين قام بترتيبات السفر إلى المنطقة الحدودية مع السائقين الأتراك. وقد تمسك برواية أنه شرع في الرحلة للبحث عن وظيفة في الحدود التركية.
نافروز قاسيموف، روسي يبلغ من العمر 32 عاماً، من أصل قرغيزي، كان أيضاً من بين المشتبه بهم الذين تم اعتقالهم، وقد حاول بيع قصة مماثلة لمشاهدة معالم المدينة، وقال إن أحد معارفه في اسطنبول أخبره أن القيام برحلة في قافلة خاصة أرخص من تذكرة الحافلة أو الطائرة.
ومن المثير للاهتمام أن السلطات التركية أطلقت سراحه لاحقاً. وفي 22 تشرين الأول 2016، اعتقل مرة أخرى في تحقيق منفصل، وكشف فحص جهازيه الخلويين أنه حفظ مواد “داعش” عليهما وشارك في مجموعات “داعش” على تيليغرام وواتسآب. وأظهرت الدردشات المؤرشفة أن قاسيموف كان مهتماً بالحصول على أسلحة، وكان يبذل مساعيه لتأمين الإفراج عن أربعة من المشتبه بانتمائهم إلى “داعش” المحتجزين في مكان آخر بالقرب من الحدود التركية.
وأظهرت السجلات المالية أن قاسيموف تلقى آلاف الدولارات من السعودية. وقد تم التعرف على أحد المرسلين على أنه أبو العزي أبو الحميدي، ممول “داعش”. وادعى أمام المحكمة أن الأموال أرسلها له شقيقه في السعودية ذات مرة، وفي مناسبة أخرى أرسلها أحد معارف شقيقه الذي قال إنه لا يعرفه.
وقال زوريبيك كوسوبالييف، وهو طاجيكي يبلغ من العمر 36 عاماً، إنه ذهب إلى المنطقة الحدودية للعمل بعد أن نصحه صديق طاجيكي يُدعى محمود في اسطنبول بالقيام بذلك ودفع تكاليف رحلته.
لا أحد يثق بنظام العدالة الأردوغاني في قمع “داعش” والخلايا التكفيرية الأخرى بالنظر إلى السياسات الإخوانية لحكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان. وقد أظهرت تقارير عديدة نشرها موقع “مرصد الشمال” السويدي استناداً إلى وثائق سرية وحسابات المبلغين عن المخالفات كيف عملت الاستخبارات التركية عن كثب مع إرهابيي “داعش” و”القاعدة” للترويج للأجندة السياسية لحكومة أردوغان.
وعلى سبيل المثال، تم القبض على إرهابيي “داعش” الثلاثة البارزين المشتبه في نشرهم لشن هجوم كبير على السفارة الفرنسية في أنقرة على الحدود من قبل الجيش التركي، واحتجزهم لفترة وجيزة، ولكن تم السماح لهم بالرحيل في انتظار المحاكمة. وقد أجرى مسؤولون استخباراتيون وعسكريون أتراك محادثات سرية مع “داعش” في عدة مناسبات. وتم إطلاق سراح المئات من إرهابيي “داعش” من السجون التركية في السنوات الأخيرة، مما يعكس الموقف المتواطئ للمسؤولين الأتراك عندما يتعلق الأمر بتصدير وتسهيل عبور الإرهابيين إلى سورية.