ثقافةصحيفة البعث

“الترجمة.. واقع وآفاق” ندوة مهمة وآراء غنية

الترجمةُ هي نافذتنا إلى العالم الآخر، لما لها من دور مهمّ وضروري في نقل علوم ومعارف وآداب الحضارات المختلفة، وهي مفتاح الأمم نحو النهضة الفكرية والعلمية. وعن هذا جاءت ندوة “الترجمة.. واقع وآفاق” التي أقامتها مؤخراً “نوافذ 4” من إعداد وإشراف إدريس مراد الذي أوضح أن مشروع نوافذ يقدّم ندوات عن كافة أشكال الثقافة في سورية، وهذه الندوة المخصّصة للترجمة تسلّط الضوء على المشروع الوطني للترجمة، والإشكاليات التي تواجه الترجمة ويطلّ علينا من خلالها ضيوف مميزون في الساحة الثقافية لهم باع طويل في الترجمة والدراسات الأدبية.

مشروع وطني

بدأت الندوة مع مدير الهيئة العامة السورية للكتاب الدكتور ثائر زين الدين الذي أوضح أن اللغات هي أبواب ثقافات الأمم، والترجمة هي مفاتيح تلك الأبواب، وقد أدركت الشعوب ذلك منذ القدم، فكانت في مراحل نهوضها وانطلاقها لبناء حضارتها الخاصة تترجم معارف الأمم وعلومها وآدابها، وتجعلها أساساً للبناء عليه وتقديم إضافاتها الخاصة. ثم تحدث عن تجربة العرب مع الترجمة عبر مراحلها المختلفة، معتبراً أن هؤلاء المترجمين العظماء نقلوا أهم كتب الأمم الأخرى عن لغات كثيرة فارتقت البلاد علمياً ومدنياً، وكان لتلك الجهود دورها في إغناء العربية وزيادة الثروة اللفظية ولاسيما في مجال العلوم والطب والهندسة، وأمام هذه الصورة المشرقة لحال الترجمة في مرحلة من مراحل حضارتنا نفاجأ بشدة بالصورة الحالية، فقد أشار تقرير التنمية البشرية عام2003 إلى حالة الركود في الترجمة إلى العربية، لذا فإننا بحاجة ماسة لوضع خطة إستراتيجية للنهوض بالترجمة والنقل، ويجب أن تضطلع بذلك مؤسسات ثقافية كبرى يؤمّن لها الدعم المادي المطلوب، بحيث ننتقل من التعامل مع الترجمة كهواية فردية إلى التعامل معها كحرفة وبتكليف من تلك المؤسّسات، ويجب أن يتمّ التنسيق مابين الدول العربية كافة كي تتحمل مسؤولياتها. ثم بيّن زين الدين أن الهيئة أعلنت منذ فترة قريبة عن إطلاق المشروع الوطني للترجمة وشكلت لجاناً مختصة بذلك، وتضع خطة طموحة في كل عام نتمنى أن تؤازرها فيها جميع الجهات المعنية عسى أن تكون حجر الأساس في نهضة قادمة، لافتاً إلى أنه قليلاً ما نجد إحصائيات دقيقة تبيّن لنا أعداد الكتب التي ترجمناها إلى العربية من لغات العالم، أو ما تُرجم من العربية إلى مختلف اللغات، فنحن للأسف لن نتمكّن من أن نعرف بدقة ما ترجمته دور النشر السورية، وهذه مسألة يرجع بها إلى المكتبات الوطنية ومعاهد الأبحاث والمدارس المختصة، منوهاً بأن الهيئة قامت بإحصاء جديد لمعرفة عدد الكتب المترجمة المنشورة من قبل وزارة الثقافة، ومع أن هذه الأرقام لا ترضي طموحنا إلا أنها تؤكد أننا نتابع الحياة رغم الظروف، ودعا زين الدين في النهاية إلى ضرورة القيام بإحصائيات دقيقة من قبل جهات رسمية وخاصة.

آفاق رحبة

كذلك أكد مدير الترجمة في الهيئة حسام الدين خضور أن أهمية الترجمة تزداد وتتوسّع دائرة عملها، وهي جزء من عمل اللغة في حياتنا المعاصرة والتي يمكن اعتبارها لغة العالم، فلولا الترجمة ما فهم الناس بعضهم بعضاً ولما تبادلوا معارفهم وآدابهم وثقافاتهم. أما فيما يخصّ واقع الترجمة في سورية فقد بيّن خضور أنها تتوزع على مجموعة من الأعمال هي الترجمة التحريرية التي تعمل لمصلحة النشر العامة والخاصة وللسوق العربية والدولية ويعمل من السوريين في هذا الحقل المئات، وهو في لغات مختلفة ولاسيما الإنكليزية والفرنسية والإسبانية وقلّة قليلة في لغات أخرى، ويضاف لهم الموظفون في المؤسسات العامة والخاصة بصفة مترجم، وأيضاً العاملون في الجامعات الوطنية والمعاهد، وكذلك العاملون في الترجمة المحلفة، وأما الترجمة الفورية فتعمل هذه الفئة لمصلحة المؤتمرات والمنتديات واللقاءات مع الوفود وفي الإعلام المرئي والمحكي، وكذلك العاملون في السياحة كأدلاء سياحيين، لافتاً إلى أنه لا يوجد هيكل تنظيمي لهذه المهنة الإبداعية في وطننا إلا من إطار غير فاعل في اتحاد الكتّاب العرب يضمّ عشرات المترجمين في جمعية الترجمة، أما فيما يتعلق بالموارد المالية للترجمة فهي متباينة إلى درجة كبيرة، فالدخل يتوقف على الجهة التي يعمل معها المترجم، سواء داخلية أم خارجية أو عربية أو أجنبية، وفيه أيضاً سماسرة ووكلاء ينهبون المترجمين، كما أنه في القطاع العام والسوق الداخلية يوجد تباين بين مؤسسة وأخرى. ورأى خضور أن الآفاق تتوقف على انتصارنا في الحرب التي تشنّها الإمبريالية الدولية على بلدنا بالاحتلال المباشر ودعم المنظمات الإرهابية، وعند تحقيق الانتصار القريب سيكون هناك آفاق رحبة لتطوير مهنة الترجمة تسهم فيه بدعم الدخل الوطني من خلال المؤتمرات، مبيناً أن توسع الترجمة سيدفع باتجاه نشوء مهنة جديدة في الكتابة هي مهنة التحرير ووجود مكتب تحرير يتكوّن من خبراء في اللغة العربية يمكنه معالجة النص المترجم بطريقة تخلّصه من عيوبه، وهذا يفرض تأسيس مركز وطني للترجمة يحرّرها من التنازع في المصالح بينها وبين التأليف، ويمكن في الآفاق المرئية تأسيس اتحاد خاص للمترجمين يرعى المهنة ويرعى حقوق العالمين فيها، ويكون هذا الاتحاد خير آلية لتوحيد ترجمة المصطلح على الأقل وطنياً.

لوردا فوزي