تعثر العلاقات الروسية- الأوروبية
سمر سامي السمارة
ما من أمر يثير غضب البعض مثل إعطائهم جرعة جيدة من الحقيقة، وهذا ما شاهدناه بالفعل في ردّة فعل الاتحاد الأوروبي عندما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إنه لا يمكن اعتبار الاتحاد “شريكاً موثوقاً به” في هذه الفترة.
على مرّ عقود كان خنوع أوروبا لسياسات واشنطن المعادية لروسيا، فضلاً عن تدخل الاتحاد الأوروبي في الشؤون السيادية لروسيا، السبب الرئيسي لتصريح لافروف لمنسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيف بوريل” أثناء زيارته الرسمية لموسكو.
لقد كان ردّ الكرملين أمراً طبيعياً في سياق السياسة التي انتهجتها أوروبا تجاه روسيا، خاصة تهديدها المستمر بفرض المزيد من العقوبات على موسكو.
منذ أن قام الاتحاد الأوروبي بتوسيع عضويته، خلال الأعوام السابقة، إلى أن وصل العدد الحالي إلى 27 دولة، اكتسب سياسة أكثر تعقيداً وغير متماسكة وعقيمة تجاه روسيا، ويمكن القول إن العامل الرئيسي هو عضوية بولندا ودول البلطيق في إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، التي انضمّت إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004 مع ست دول أخرى في ما كان أكبر حالات التوسّع للكتلة.
تتميّز بولندا ودول البلطيق بسياسة العداء الشديد تجاه روسيا، أو ما يمكن تسميته “رهاب روسيا”، ومن الجدير بالذكر أنه عندما عاد جوزيف بوريل من زيارته الأخيرة إلى موسكو، قاد السياسيون من الدول المذكورة أعلاه، الدعوات لاستقالته وفرض المزيد من العقوبات على روسيا. هذه الدول هي التي حركت وجهات النظر المعادية لروسيا، بما في ذلك الادّعاءات بأن لدى موسكو خططاً للعدوان عليها، وأنها تشكّل تهديداً أمنياً وشيكاً.
استفادت واشنطن بشكل كبير من “رهاب روسيا” لزيادة نفوذها على أوروبا، وتعتبر بولندا ودول البلطيق من أشد المؤيدين لحشد قوات الناتو على طول الحدود الروسية، كما تعارض هذه الدول بشدة المزيد من تطوير إمدادات الغاز الروسي من خلال مشروع “نورد ستريم 2” بينما تروّج للوقود البديل، مثل الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، على الرغم من أن الأخير سيكون أكثر تكلفة بالنسبة للمستهلكين والصناعة والشركات.
وصل العداء غير العقلاني تجاه روسيا، لدرجة أن سياسيين من بولندا ودول البلطيق يعارضون حتى تسجيل الاتحاد الأوروبي لاستخدام لقاح (سبوتنيكV) على الرغم من فعاليته المثبتة ومشكلات التوريد المعلقة لتلقيح المواطنين في الاتحاد الأوروبي. يقول عضو البرلمان الأوروبي الإيرلندي ميك والاس: “إن السياسيين في بولندا ودول البلطيق مهووسون بإطلاق وجهات نظر سلبية حول روسيا، ويضيف أنه على الرغم من أن تأثيرهم على السياسة الأوروبية صفر، لأن فرنسا وألمانيا هما المحركان الرئيسيان للسياسة، ومع ذلك، فهم مصدر توتر في العلاقات مع روسيا”.
تاريخياً، يقول والاس إن الاتحاد الأوروبي سمح بدخول دول أوروبا الشرقية تلك في صفوفه لسببين: لتعزيز أرباح الشركات الأوروبية من خلال الوصول إلى مجموعة من العمالة الرخيصة، وثانياً، لتسهيل توسّع الناتو والمجمع الصناعي العسكري. لكن “ثمن” هذه المكاسب المزعومة كان على حساب العلاقات الأوروبية الروسية، وهذا ما ينعكس في النفاق الأوروبي والازدواجية. فمن ناحية، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى روسيا لتزويدها بالوقود، ومن ناحية أخرى، فإن التعصّب الأعمى والأحكام المسبقة ضد روسيا وجدت متنفساً لها من الدول الأعضاء اليمينية الرجعية.
لذا فإن موسكو محقة في إخبار الأوروبيين المراوغين أنه لا يُعتمد عليهم، لأنهم غير جديرين بالثقة. ومن المؤكد أن روسيا لا تسعى لقطع العلاقات، لكن الاتحاد الأوروبي هو الذي يقوّض العلاقات ويحبطها باستمرار، ومن الواضح أن روسيا قد سئمت من تعثرها باستمرار بسبب ازدواجية الاتحاد الأوروبي.