بيدرسون .. و”الوضع المعيشي في البلاد”..!!
أحمد حسن
بحسب وكالة سبوتنيك الإخبارية فإن مباحثات المبعوث الأممي إلى سورية “غير بيدرسون” ستركّز، كما قال بعيد وصوله إلى دمشق، على القرار 2254 و.. الوضع المعيشي في البلاد..!!.
بالتأكيد دمشق هي العاصمة الأولى المعنية بنقاش جدّي وشامل وتفصيليّ حول الـ 2254 ومندرجاته، لكن، وبالتأكيد أيضاً، على “بيدرسون” وفيما يخص “الوضع المعيشي في البلاد” زيارة مدينتين “يصدف” أنهما تقعان معاً ضمن أراضي الولايات الأمريكية المتحدة: أولاهما، واشنطن العاصمة الأولى المسؤولة عن معاناة السوريين في ظل إصرارها العصابي والمجنون على محاصرتهم بغذائهم ودواءهم وأسباب “عيشهم” المختلفة، وثانيهما، “نيويورك” مقر الأمم المتحدة التي يمثلها “بيدرسون” لحثّها على القيام بدورها في منع، أو على الأقل، فضح “جريمة العصر” التي تتمثّل بفرض دولة واحدة إرادتها على العالم الحرّ..!! لمحاصرة بلد وشعب جريمتهما الوحيدة رفضهما الخضوع لساستها وسياستها في المنطقة والعالم، لتقدم هذه الدولة صورة فاقعة وفاضحة عن الارهاب بوجهه الاقتصادي الفاجر. إرهاب يغذّيه صمت العالم، ومعه أممه المتحدة، ليجللهما بعار إنساني وسياسي وأخلاقي، لا يمحوه الإعراب الخجول عن “القلق” الذي يترافق عادة في بيانات الأمم المتحدة عن الحصار الجائر مع تجهيل الفاعل والخوف من ذكره.
وحين يحلّ “بيدرسون” القصة هناك تنحلّ هنا، وفي أماكن أخرى أيضاً، حيث تتحرّر عواصم قريبة وبعيدة، من كونها رهينة الخضوع المذلّ للقرار الأمريكي الملزم.
الوقائع التي تثبت صحة ما سبق أكثر من “الهمّ على القلب”، ويعرفها “بيدرسون” وغيره، لكن، وزيادة في الفائدة، كشفت صحيفة عربية لا تكن وداً لدمشق..!! حواراً جرى على هامش عشاء سياسي جمع قبل أشهر الملحق التجاري في السفارة الأمريكية في بلد عربي مجاور مع بعض نخب هذا البلد الاقتصادية، سأل خلاله وزير تجارة وصناعة أسبق وأحد أكبر أقطاب القطاع التجاري في هذا البلد الملحق الامريكي “تعويض القطاع التجاري بفتح أسواق أخرى أمامه مادام القرار الأمريكي يغلق التعاون التجاري مع سورية”. سريعاً، وكما أوردت الصحيفة الكارهة لدمشق، جاء رد المفوض “السامّ” التجاري بالرفض مرفقاً بتهديد علني بالعقوبات في حال تجاوز أحد المنع الأمريكي هذا..!!.
بالطبع وبقدر ما كان الخبر صادماً إلا أنه ليس مفاجئاً، سواء في كشفه التذلّل العربي من كبار الاقتصاديين لملحق تجاري أجنبي في عاصمة بلادهم.. صاحبة القرار المستقل..!!، أو في الرد المتعجرف لهذا الأخير، فالاقتصاد كان، كما يعرف الجميع، سلاحاً أساسياً في الحرب الدائرة في سورية وعليها، ومنذ لحظتها الأولى، و”التجويع للتركيع” هي سياسة بلاده المعلنة. تدمير البنية التحتية وتفكيك المصانع ونهبها وسرقة النفط وإحراق حقول القمح، ليست إلا تجليّات صغرى فقط لا غير.
بهذا المعنى تبدو زيارة بيدرسون إلى دمشق، على أهميتها الفائقة، ناقصة وغير مجدية، خاصة وأن النهج الخارجي في إطالة الأزمة لا زال مستمراً، ما يعني أيضاً أن قرار منع السوريين من الاتفاق فيما بينهم “دون أجندات مفروضة أو مضامين جاهزة للإصلاح الدستوري” لا زال سارياً، وبالتالي، النقاش الجديّ والفعّال لـ 2254 لم يحن بعد. بيدرسون الخبير في السياسة الدولية ودهاليزها يعرف ذلك أكثر من غيره.
بالطبع لا أحد يحمّل “بيدرسون” أكثر مما يحتمل، فهو مجرد مبعوث لأمم “غير متحدة” كما يعرف الجميع، وقرارها، وبالتبعية قراره وطبيعة المهمة الموكلة إليه، لا زالت رهينة جهة لا تخفي مطالبها بالهيمنة الكاملة ولا شيء غيرها. جهة لا زال بعض العرب يطلب منها الترياق لمشاكله على ما أفصح أحدهم قائلاً: “لا بدَّ من لقاح أميركي عاقل لمريض الشرق الأوسط. لقاح يقوم على عودة الجيوش والميليشيات إلى خرائطها الأصلية، وإعادة كل أرض إلى أصحابها، وترميم الحدود الدولية وهيبة القانون الدولي”..!!. وتلك ثالثة الأثافي أن تحسب “الشحم فيمن جسمه ورم” على ما قال “المتنبي” منذ قرون عديدة.