التدريب والتأهيل الوظيفي.. بحث عن الكفاءات والخبرات وتساؤلات عن العائدية الإنتاجية؟!
لم يتوقف حلمه بوظيفة حكومية كباقي زملائه، فدورات التدريب والتأهيل ودورات الإدارة العامة التي خضع لها لم تكن من أجل نيل هذه الوظيفة دون استلام منصب يرضي طموحه الإداري، فمنصب مدير أو حتى معاون مدير حلم يراود أي شخص، لكن الوصول إلى الوظيفة يحتاج لمهارات إدارية عديدة، في حين نجد أشخاصاً وصلوا إليها بطرق أخرى، سواء كانوا يستحقونها، أو أنهم بعيدون كل البعد عنها، حيث ينظر اليوم من قبل الكثيرين إلى التنمية الإدارية على أنها تنمية بشرية فقط من خلال التدريب وتأهيل الكوادر البشرية وفق النموذج السائد المعمول به منذ عقود، لكن هذا النموذج اليوم لم يعد يتمتع بالمهنية والمصداقية، خاصة في ظل معطيات العمل، والعمل التدريبي الحالي من حيث سلامة المدخلات، ودقة اختيارها وأحقيتها، أو من حيث المحتوى التدريبي، وأهدافه، وغايات التدريب في حد ذاتها.
فقدان الثقة
في نظرة سريعة على مؤسساتنا نجد الغياب الفعلي لمفهوم الإدارة، وعدم الجدوى الحقيقية لدورات التدريب والتأهيل للعاملين بعد أن أصبحت أنظمة العمل الحالية تتعرّض باستمرار للعديد من الأعطال والبطء، والكثير من الترهل والتباعد والتنافر أحياناً، والازدواجية والتماثل في مواقع كثيرة ومتعددة من مفاصل الإدارة، وعلى كافة المستويات في الدولة، ليؤكد لنا محمد كوسا، “خبير في الإدارة العامة”، على ضرورة أن يتوازن التدريب والتأهيل مع ما تقدمه التقنية من تطور واختراعات، فالبعد التقني يصنع ويحدد الكثير من الأنماط الإدارية التنظيمية والقيادية للمؤسسات الأهلية والحكومية، فالتكنولوجيا الحديثة أهدت البشرية، ومنها النظم الإدارية، إمكانات لامحدودة، خاصة في جوانب الإتقان والجودة والسرعة في الإنجاز، أو حتى في زيادة حجم الإمكانات الفردية على مستوى الأفراد، كما فعلت الحواسب والمحمول، لتتفوق هذه التقنيات على اليد العاملة المدربة في الإنتاج أو الخدمات، والكثير من الجوانب الحياتية، إذ حلت الحواسب وأجهزة التحكم والبرامج الالكترونية محل الإدارات الإشرافية والإدارة الوسطى، وألغت الكثير من الحلقات الوسيطة، فقلّصت من حجم التنظيم الإداري، وخفّضت الروتين، وسهّلت الخدمة والحصول عليها، مشيراً إلى أن كل ما سبق رافقه في الحياة الإدارية والاجتماعية والاقتصادية فقدان الثقة ببعض القيادات التي اعتلت مناصب ومواقع كانت غير ناجحة بها وغير قادرة على قيادتها، بالرغم من أن بعضها تمتع بقسط وافر من التدريب والتأهيل، إلا أنها فشلت في تطوير مؤسساتها، وخسرت ثقة الشارع، خاصة أن التغير في كل جوانب ومناحي الحياة بات متسارعاً ومتبدلاً، ما انعكس على رضى المواطن، وانتماء الموظف أو العامل، والواقع يقتضي عكس ذلك.
عائد اقتصادي
وفي معرض رده على مدى مطابقة الإجراء الحكومي بتدريب القيادات الإدارية العليا لحالة التنمية الإدارية وأهميتها ومردودها الاقتصادي، أكد كوسا على أن أي نقص حقيقي بالمعلومات سيؤدي إلى مردود اقتصادي ضعيف، لأن تحصيل المتدرب من المعلومات سيكون ضعيفاً ومقتصراً على ما يحتاجه الواقع ويتطلبه، وبالتالي ستكون تكاليف التدريب عالية دون مردود، فهناك في مجتمعنا أشخاص حصّلوا هذه المعرفة، وكان من الواجب انتقاؤهم ولم يتم هذا الأمر، ولكن إذا كان التدريب يخص شخصاً حصّل الكثير من المعرفة، وهو بحاجة لفتح أبواب أوسع في الأمور الإدارية، فإن التدريب سيؤدي لكسب جديد من المعرفة والعلوم من أجل الخلق والإبداع، وبالتالي سيكون العائد الاقتصادي كبيراً جداً، لأن هذا الشخص يحتاج دائماً للاطلاع على مستجدات العلم.
تعزيز القدرات الإدارية
لم تخف وزارة التنمية البشرية أهمية التدريب للعاملين، إذ لا يخفى على أحد وضع مؤسساتنا وجهاتنا العامة التي تعيش اليوم حالة ترهل إداري، بل تنتشر أيضاً حالة ضعف الإنتاجية، وأساليب العمل التقليدي، وضعف التدريب والأتمتة والتنظيم الإداري والتوصيف الوظيفي، والتغير في العمل الإداري في مؤسسات الدولة وإداراتها العامة بات موضوعاً بطيئاً ومترهلاً بفعل ضخامة الأجهزة الإدارية، وصعوبة تغيير الأعراف الإدارية، لذا يجب أن نعيش زمننا بأفكار جديدة تلامس الواقع الذي نعيش فيه، وتواكب في الوقت ذاته التطورات العالمية المتلاحقة، كما يجب علينا أن ندخل اليوم إلى مجتمع التأهيل والتدريب وتطوير الذات بلغة اليوم لا بلغة الأمس، وتعتبر الوزارة أن المديرين ومعاوني الوزراء رأس الهرم في مكان عملهم، وأن تدريبهم يساهم في عمليات التطوير في جميع النواحي الإدارية من تخطيط، وتنظيم، وإعداد الأفراد، وحسن اختيارهم، وتبسيط الإجراءات، ووضع نظم الرقابة السليمة، بمعنى آخر يساعدون عن طريق مستواهم التنظيمي في عمليات الإصلاح الإداري والتطوير التنظيمي للارتقاء بالمؤسسة، وإثبات نجاح عملية التنمية البشرية، من هنا تأتي أهمية برنامج تدريب المديرين العامين في سورية كونه يهدف إلى تعزيز القدرات القيادية للمديرين في الجهات العامة، ويركز على رفع كفاءتهم الإدارية عن طريق تزويدهم بالمعارف والمهارات، وكذلك تطوير قدراتهم في حل المشكلات واتخاذ القرارات.
خبرات وطنية
أمراض إدارية سائدة في المؤسسات الإدارية بدءاً من نظام إداري محدود يكرر الأخطاء في معظم المؤسسات، مروراً بعدم التطابق بين المنصب والخبرات المطلوبة، أو بين تفكير متكامل للإدارة التي تحدها قوانين وتعليمات صائبة وتفصيلية تحد من المبادرة، وتنظر بعين الشك للموظف، وتسير نحو تقليص دائم للصلاحيات وآليات اختراق النظم الإدارية باتجاه المصالح، إضافة إلى عدم الالتزام بالأسس الاقتصادية لإدارة المؤسسة، والاعتماد على الوظيفة الاجتماعية، وضعف المنتجات وعدم منافستها وتلبيتها لتطور احتياجات السوق، وارتفاع تكلفة المنتج في القطاع العام رغم مزاياه في الضرائب واحتكار السوق، وضعف منظومة التحفيز والقدرة على متابعة الجهد الإبداعي، فالتوجه الإداري الذي ساد يركز على الوظيفة الروتينية، وسيادة ثقافة التدبر الشخصي، وضعف الالتزام بالقيم الكبيرة، والحاجات العليا في المجتمع، وضعف الثقافة والتعلّم والالتزام النوعي المعرفي، وجمود القدرات البشرية في الإدارة، لذا يؤكد الدكتور أيمن ديوب، “استشاري التنمية الإدارية والإصلاح الإداري”، على أهمية إعطاء الفرصة للخبرات الوطنية للعمل، فهناك الكثير من الخبرات تعلّموا على نفقة الدولة، ومنهم من اتبع العديد من الدورات التدريبية والمؤتمرات وورش العمل في الخارج، ويجب الاستفادة منهم وإعطاؤهم الفرصة ليطبقوا ما تعلّموا عليه، وذلك من خلال طرح مشروع رائد في مجال الإصلاح الإداري يعتمد على الخبرات الوطنية والكفاءات البشرية في سورية، وكذلك إعطاء الصلاحية الكاملة لمؤسسات التنمية الإدارية وتفويضها تفويضاً كاملاً قائماً على التعاون فيما بينها من جهة، وبينها وبين الوزارات والمؤسسات العامة من جهة أخرى، وهذه الجهات حسب أهميتها هي: كليات الاقتصاد بالجامعات السورية كافة، المعهد العالي لإدارة الأعمال، المعهد العالي للتنمية الإدارية، المعهد الوطني للإدارة العامة، معهد التخطيط تحت إشراف هيئة تخطيط الدولة، وأن تعطى هذه المؤسسات الفرص لتخطيط التنمية الإدارية.
ميس بركات