بحضور عرنوس.. انطلاق فعاليات ملتقى تطوير القطاع الزراعي وتعويل على التشاركية
دمشق – فاتن شنان
لعل السنوات السابقة شهدت العديد من الملتقيات والمؤتمرات الحوارية لتشخيص الإشكاليات واجتراح الحلول المناسبة لها، ورغم أهمية الغايات المنعقدة لأجلها إلا أنها لم تخرج من دائرة النقاشات والجدال دون الوصول إلى نتائج واقعية مثمرة أو ترجمة فعلية على أرض الواقع، ومازالت الإشكاليات قائمة والحلول حبرا على ورق، ورغم ما ترسخ من قناعة مسبقة بشأن تلك الملتقيات، إلا أن الأمل معقود في ملتقى “تطوير القطاع الزراعي” الذي عُقد اليوم تحت عنوان “اقتصاد زراعي تنموي تنافسي” أن يخرج من عباءة المناسبات الاجتماعية بهدف التواصل فقط، باتجاه الحلول الإسعافية والسريعة لإنقاذ أمننا الغذائي المهدد بالخطر وتعاضد الجهات المعنية في تطبيق ما يلزم للنهوض بواقعه ومواجهة تحدياته.
وفي كلمة له افتتح بها الملتقى، أكد المهندس حسين عرنوس رئيس مجلس الوزراء أن الحكومة تتابع باهتمام تنفيذ السياسات والتوجهات العامة التي وضعها السيد رئيس الجمهورية الذي حدد واقع وآفاق تنمية القطاع الزراعي كما تحرص على إيجاد الآليات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ لافتاً إلى أن الحكومة أولت القطاع الزراعي عناية فائقة لما يتمتع به من أهمية اقتصادية وسياسية وإستراتيجية.
وأوضح أن القطاع الزراعي بقي متماسكاً وقوياً وقادراً على تأمين مقومات الصمود الاقتصادي كما بقي الوسيلة الأكثر فعالية لمواجهة الحصار الاقتصادي الغربي الجائر على سورية، مشيراً إلى أن القطاع الزراعي عماد الاقتصاد الوطني بحكم دوره في مجتمعنا واقتصادنا، داعياً إلى ضرورة وضع خطة عملية واضحة لتمكين أصحاب المشاريع من الوصول إلى أهدافهم.
وأضاف عرنوس: كلنا ثقة بالعقل السوري المبدع ومراكز بحوثنا التي ستكون شريكاً في المرحلة المقبلة ليكون القطاع قادراً على تلبية احتياجات المستهلكين.
وزير الزراعة المهندس محمد حسان قطنا بين في كلمته أن الظروف الصعبة التي مرت بها سورية خلال سنوات الحرب من استهداف للبنى التحتية والمنشآت الإنتاجية كان لها انعكاس سلبي كبير على القطاع الزراعي والحيواني.
وشدد قطنا على أهمية التعاون والتفاعل والتشاركية بين مختلف الوزارات والجهات المعنية بهذا القطاع لمواجهة التحديات ومعالجة المعوقات التي تعترض تطوير القطاع الزراعي مؤكداً أنه لا بد من وضع رؤية شاملة والعمل على تطويرها بالتعاون والتشاركية والتكامل بين كل القطاعات للوصول لتحديد الأولويات والسياسات والأهداف بشكل فعال وحيوي، مؤكداً أن الحكومة دعمت القطاع الزراعي وسعت جاهدة لتوفير البنى التحتية اللازمة لهذا القطاع بشقيه النباتي والحيواني فعملت على إحداث كليات الزراعة في معظم المحافظات ما وفر العديد من الزراعيين والأكاديميين.
وأشار قطنا إلى أن الكثير من الأسر السورية تعتمد في أسلوب عيشها على الزراعة مؤكداً أنه لتتحقق التنمية لا بد من وضع رؤية شاملة يتم تطويرها بالتعاون والتكامل والتشاركية بين كل القطاعات العامة والخاصة والتعاونية والمشتركة والمؤسسات والاتحادات والنقابات للوصول إلى تحديد الأولويات والسياسات بشكل فعال وحيوي آملاً أن يكون هذا الملتقى نهجاً لإعادة بناء القوى والأهداف عبر حوار بناء وحيوي وتأهيل النهج التنموي والتنافسي للقطاع الزراعي.
تحضير مسبق
لاشك أن الأمن الغذائي أصبح في خطر نتيجة الأزمات والإرهاب والتغيرات المناخية خلال الأعوام الماضية، وبات القطاع الزراعي يواجه تحديات على كافة الصعد ليس أولها نقص المستلزمات الإنتاج من المحروقات والأسمدة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار التكلفة على المزارعين، وغياب التسعير المناسب للتضخم الحاصل، مروراً بنقص الإنتاج الزراعي الاضطرار إلى الاستيراد بدلاً من التصدير، وانحراف بوصلة العمل الجماعي الذي من شأنه معالجة الاختلالات الحاصلة في مسار الإنتاج الزراعي، الأمر الذي أكده وزير الزراعة في الجلسة الأولى للملتقى، إذ بين أن معالجة تلك الإشكاليات تتم عبر العمل التشاركي مع كافة الجهات المعنية، من جهات رسمية وفلاحين وجمعيات فلاحية تعاونية، بالتوازي مع تعاون القطاع الخاص من مستوردين ومصدرين وجمعيات أهلية وتعاونية في التمويل والتنفيذ ويعمل كشريك حقيقي مع الحكومة في بناء اقتصاد زراعي قوي وتجاوز حالة الجبن في الاستثمار الزراعي الذي يكتنفه مخاطر عالية، وضرورة العمل على تطوير القطاع على أسس علمية وفنية وتقنية، وإلا سيتم خسارة الكثير من الموارد الطبيعية والإنتاج من جهة، وتخلي بعض الفلاحين عن الاستثمار الزراعي من جهة أخرى.
نقطة جذب
ولفت قطنا إلى أن الاهتمام بالزراعة دون الاهتمام بالتنمية الريفية لن يحقق تنمية مجتمعية وستستمر الهجرة من الريف إلى المدينة، لذلك يبدو من الأجدى العمل باتجاه تحويل الريف إلى نقطة جذب سكان وليس العكس، واستثمار موارده من أراض ومياه لتحسين الإنتاج إلى جانب إدخال الآلات الزراعية وتطوير المكننة الزراعية، واعتماد برامج لتطوير هذا القطاع وإحداث مؤسسات تسويقية وتصديرية لتحديد المواصفات القياسية التي يجب توفرها في منتجاتنا لضمان انسيابها إلى الأسواق العالمية.
ويأتي هذا الملتقى بعد عقد العديد من اللقاءات التشاروية مع أكثر من عشرة آلاف مختص في القطاع الزراعي بحسب وزير الزراعة، وتم جمع كافة التحديات والفرص والاستماع إلى المشاكل المرافقة له، وتم تبويبها وطرحها على طاولة الحوار، وسيكون هناك ورشات عمل لاحقة لمعالجة كافة المعيقات وإعداد دراسة تفصيلية تتضمن آلية العمل كسياسات جديدة، والأطر التنظيمية وإعادة هيكلته القطاع للوصول إلى قطاع تنافسي، وسيتم عرض النتائج في الشهر الخامس من العام الحالي.
غياب البيانات
غلب على الجلسات الحوارية تأكيد المشاركين على أهمية وجود البيانات والأرقام الإحصائية الغائبة في القطاع الزراعي، والتي تشكل الأس في تشخيص الإشكاليات واعتماد الطرائق المناسبة لتلافيها، ورغم عرض وزير الزراعة لعدد من الأرقام كمساحة الأراضي المزروعة البالغة 500 ألف هكتار خلال فترة الحرب، إلا أنها غير كافية لاعتمادها في الأبحاث العلمية الزراعية لمطابقة الحلول مع أرض الواقع، كما شكل غياب البحث التطبيقي عقبة في مسار تلافي أخطاء الخطط الزراعية السابقة، بينما ذهب البعض إلى ضرورة ترميم النقص في مستلزمات الإنتاج من محروقات وأسمدة وضرورة وجود بدائل علفية كونها مستوردة وأسعارها تساهم في ارتفاع التكلفة على المزارعين، واشتكى آخرون على غياب دور الجمعيات الفلاحية التي من شأنها المساعدة في تأمين لوازم العملية الزراعية وتخفيف الأعباء عن الفلاحين.
عدم التنسيق
ورغم اجتهاد هيئة البحوث العلمية الزراعية لإنتاج أصناف محسنة من المحاصيل الأساسية الإستراتيجية وبإنتاجية عالية ومترافقة مع حزمة تكنولوجية مناسبة، ولكنه في الواقع يلاحظ اختلاف الإنتاج الزراعي عن المرحلة البحثية بحسب مديرها العام الدكتورة ماجدة مفلح، حيث بينت وجود أصناف مستنبطة جديدة ومقاومة للأمراض إلا أنها غير معتمدة أو منتشرة في الإنتاج الزراعي وعزت السبب إلى عدم تعاون مؤسسة إكثار البذار في هذا السياق، كما لفتت إلى إشكالية تسرب الكوادر البحثية الخبيرة من الهيئة، إذ سيتم العمل خلال الملتقى والجلسات اللاحقة على عرض ومعالجة كافة العوائق التي يتعرض لها الباحث، إلى جانب اعتماد الحلول المناسبة التي من شأنها تأطير العمل الزراعي و مأسسة عمل وزارة الزراعة، وكشفت مفلح عن قيام الهيئة استنباط ونشر ثلاثة أصناف من التفاح حديثاً وهي مخصصة حالياً للزراعة في محافظة السويداء، منوهةً إلى أن هذه الأصناف تستنبط لأول مرة في سورية والوطن العربي.
تشوهات طارئة
يعاني الاقتصاد الزراعي من العديد من التشابكات ما بين وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي من جهة والجهات المعنية من جهة أخرى، الأمر الذي نتج عنه تأخر أو عدم صدور القرارات المتوافقة مع واقع إنتاجي محدد أو حاجة السوق الفعلية، وأوضح مدير الاقتصاد الزراعي الدكتور أحمد دياب أن الإشكاليات الأساسية فيه تبدأ من ارتفاع تكاليف الإنتاج على الفلاحين، يليها عملية التسعير للمحاصيل الإستراتيجية والأساسية، وتشوه المعادلة التصديرية حالياً بالتوازي مع التشوهات التي طرأت على السلاسل التسويقية خلال فترة الأزمة لجهة زيادة عدد المتعاملين ضمن هذه السلسة واختلاف الهوامش التسويقية ما بين الفلاح و التاجر، وينسحب الأمر أيضاً على غياب بعض الأسس الناظمة والداعمة للعمل الزراعي كالتأمين زراعي، أو زراعة تعاقدية، وعدم وجود روزنامة زراعية موحدة لكافة المنتجات الزراعية والحيوانية، والتي يتم إعدادها بالتنسيق مع كافة الجهات وتعتبر الناظم الأساسي للعملية التصديرية كونها تحدد كمية الإنتاج والفائض بما يتوافق مع الاستهلاك، ولكن على ما يبدو وبحسب رأي دياب أن الحل مازال بعيد المنال في الوزارات المعنية كالاقتصاد والتجارة الداخلية والزراعة، لذلك يبدأ المسار بوضع هيكلية واضحة لروزنامة زراعية وتحديد دور كل جهة من الجهات المعنية، بالتوازي مع ضرورة وجود رقم إحصائي الذي يبنى عليه السياسات والقرارات اللازمة لتطير الاقتصاد الزراعي.
ويقام على هامش الافتتاح معرض للآليات الزراعية والمعدات الحديثة والمطورة وتجهيزات الطاقة المتجددة.
حضر افتتاح الملتقى وزراء الإدارة المحلية والبيئة والإعلام والمالية والاقتصاد والتجارة الخارجية والتعليم العالي والبحث العلمي والموارد المائية والنفط والثروة المعدنية وعدد من أعضاء القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي والأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي ومحافظا دمشق وريفها وأمينا فرعي دمشق وريفها للحزب ورئيس الاتحاد العام للفلاحين وسفراء عدد من الدول وممثلو عدد من المنظمات الدولية.