أقل ما يقال .. المال الوطني هو الأساس..!.
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
ربما ينخفض مستوى التعويل على جذب المال الأجنبي على الأقل هذه المرحلة، نظراً لما يتعرض له الاقتصاد الوطني من عقوبات وحصار يقوضان حركة انسياب هذا المال الذي يتصف أساساً بـ “الجُبن”، وبالتالي يبقى التعويل الأكبر على المال الوطني وحُسن توظيفه في القنوات الاستثمارية الإنتاجية.
إن ضمان التوظيف الصحيح للمال الوطني يستدعي جهوداً استثنائية خاصة، تبدأ أولاً من الجهات المعنية بالشأن الاستثماري، والمتوجب عليها رسم خارطة استثمارية تأخذ بعين الاعتبار توزيع المشاريع الإنتاجية حسب كثافة تواجد هذا المال في الجغرافية السورية من جهة، ومقومات كل منطقة في هذه الجغرافية من جهة ثانية، وإعطاء تسهيلات إدارية وضريبية تتناسب وطبيعة المشروع، بحيث تكون أكثر إغراءً في حال كان المشروع إنتاجياً ويحقق قيماً مضافة عالية من جهة ثالثة.
النقطة الثانية هي في ملعب أصحاب رأس المال أنفسهم، إذ يجب أن يكونوا على درجة من الوعي لخصوصية المرحلة وما يكتنفها من صعوبات، وأن يوجهوا بوصلة أموالهم باتجاه المشاريع الإنتاجية، وألا يتجهوا نحو المشاريع الريعية العقارية والسياحية بغية توخي الربح السريع، وهنا تقع المسؤولية الكبرى على اتحادات الغرف فعليها التفكير من خارج الصندوق، واعتبار هذا الأمر مهمة وطنية بامتياز.
وتبرز التشاركية في هذا المقام كنقطة ثالثة يجب التركيز عليها لتوظيف المال الوطني، والأخذ بيده إلى جادة الصواب، وهذه مهمة مشتركة بين الحكومة واتحادات الغرف، فكثير من الشركات الإنتاجية العامة إما متوقفة عن العمل أو خاسرة نتيجة سوء الإدارة، وكثير من رؤوس الأموال مجمدة بمشاريع عقارية أو مدخرة بالذهب للحفاظ على قيمتها في ظل ما يعصف بالاقتصاد الوطني من تضخم غير مسبوق، وبالتالي فإن خيار التشاركية يبدو الأكثر نجاعة بحيث تدار هذه الشركات المملوكة للدولة بعقلية القطاع الخاص الأكثر مرونة والقادر كما أثبتت العديد من التجارب على انتشالها من قاع الخسارة ووضعها على سكة الإنتاج.
في هذا السياق، نوجه رسالة إلى رجالات القطاع الخاص، وتحديداً إلى أن من يريدون تسويق أنفسهم بأنهم “رجال المرحلة”، مفادها باختصار: عليكم أن تقدموا مبادرة حُسن نية تثبت جديتكم بتدعيم أسس وأواصر الإنتاج، فإذا كنتم من ذوي الملاءة المالية فإن مقتضيات المرحلة تستوجب عليكم تسخيرها بالمشاريع الإنتاجية المحفوفة بمخاطر أكثر من نظيرتها الريعية قليلة المخاطر، أما إذا كنتم من “حديثي النعمة” وتفتقرون إلى العلاقات والملاءة المالية المطلوبة، فعليكم أن تعملوا حسب حجكم وإمكانياتكم، وإلا سرعان ما ستتكشف أوراقكم وتظهرون أنكم مجرد “فقاعة” وتخرجون من المشهد بخفي حنين..!.
الاقتصاد الوطني اليوم بأمس الحاجة إلى المال الوطني، فكما أن الأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها، كذلك فالقوام الأساسي للاقتصاد هو المال الوطني، وما نظيره الأجنبي إلا رافد في نهاية المطاف، فهل يتلقف أصحاب رؤوس الأموال هذا الأمر ويتعاطون معه بجدية.