معرض “مفاتيح الذاكرة” للتشكيلية رندة تفاحة
افتُتح في صالة المركز الثقافي العربي بدمشق (أبو رمانة) معرض الفنانة رندة تفاحة بحضور حشد كبير من المتابعين لأعمال الفنانة التي قدّمت معرضها الثالث بعنوان “مفاتيح من الذاكرة”، وسبقه العام الفائت معرض مميّز لها في صالة أدونيا للفنون التشكيلية، حيث لفتت الانتباه كفنانة مثابرة تتمتّع بحضور وجدية الفنان المدرك لأهمية تطوير ذاته، من خلال البحث عن خصوصية تأتي من تعزيز حضور التجربة والغوص فيها، كما طوّرت أدواتها التقنية وثقافتها، وتلمّست أهمية اللوحة التي تحمل الموضوع ولم يعد يعنيها اللوحة المحايدة أو الخالية من قلق منتجها الإنساني، خاصة وأن الفنانة رندة تعي أهمية روايتها كامرأة فلسطينية تنتمي إلى جيل صقلته مشاعر التوق إلى وطن سليب قدم أبناؤه آلاف الشهداء على طريق حلمهم في العودة وبناء الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.
“اللوحة المغرقة في الجمال فقط دون أن تحمل فكراً أو بعداً فلسفياً، تشبه ممثلة تقف على خشبة المسرح، وهي لا تملك نصاً تلقيه، فتتحوّل بعد دقائق إلى دمية تجتر جمالها لتصل بجمهورها إلى الملل، فكيف إن ضجّت اللوحة بالجمال والفكر والقيم الإنسانية..” هكذا يرى الفنان أيمن الدقر لوحة رندة تفاحة الفلسطينية التي جعلت من مفتاح الدار جسراً للوصول إلى أبعاد جديدة من الجغرافيا الإنسانية لتزهر فيها ملحمة الشعب الفلسطيني المقاوم.
عشرات اللوحات موزعة في المعرض تشترك فيما بينها بوحدة اللون والمعالجة التي لا تخلو من حسّ يقارب الهواجس التطبيقية في بعض جوانبها، كما تقترب في مواضيعها من صيغ الإعلان المباشر، وإن كانت قيم التصوير ظاهرة في تلك الحساسيات للظل والنور وقيم الضوء ومناخ الرسم الأيقوني على السطح المعالج، بغية الحصول على ملمس خشن حيناً، لاعتقاد الفنانة أن التعتيق والمبالغة في العناية يزيد من وضوح المعنى وقيم الجمال في اللوحة التي أرهقت أحياناً بعناية الأنثى، في المكان الذي لا يخلو من إشارات تزيينية أو بعض الملامح لصور مباشرة توحي بنصها الأدبي المباشر كالقضبان والقباب والأعمدة والإشارات المعمارية الدينية.
ربما تكون الفنانة رندة تفاحة مثل أغلب التشكيليين الفلسطينيين الذين لم يجدوا بداً من تقديم فن ذي ملامح وهوية تنتمي وتلتزم بمقومات محدّدة، إذ لا بد من رسم الأقصى والكوفية الفلسطينية وملامح المعاناة والهجرة، هذه الملامح التي كرستها التجربة التشكيلية الفلسطينية خلال عقود ليس من الصعب على المبدع أن يتجاوزها ويخترق قدسيتها الإشارية بإحلال بدائل قد تكون أقدم تاريخياً أو معاصرة تخاطب العالم بلغته الأكثر تأثيراً وجاذبية والأكثر تثقيفاً ورفداً للثقافة الإنسانية، وبالطبع لن نكون إلا أولئك الكنعانيين أصحاب الأبجدية الأولى ولن تكون نساؤناً إلا أولئك اللواتي يوقدن نار الصباح ويزغردن في جنازات الشهداء ويحملن برتقال يافا مطرزاً على ثوب الأبدية، شكراً رندة تفاحة الفنانة الفلسطينية والفنانة المرأة بكل شغفها.
أكسم طلاع