وإذا الوحدة سُئلت!!
بقلم د. صابر فلحوط
رئيس اللجنة الشعبية العربية السورية
لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومة المشروع الصهيوني
يحتفل القوميون العرب، والمناضلون من أجل الحق والكرامة والعدل والحرية على امتداد الساحتين العربية والعالمية هذه الأيام بالحدث الأهم في حياة شعبنا وهو قيام الوحدة بين سورية ومصر 1958 عبر الجمهورية العربية المتحدة التي كانت كما وصفها الرئيس جمال عبد الناصر (دولة في الشرق الأوسط، تحمي ولا تهدّد، تصون ولا تبدّد، تشدّ أزر الصديق، ترد كيد العدو، تريد الخير والأمن والعدل والسلام لها ولغيرها وللبشر جميعاً)..
ولأنها كانت تحمل هذه الصفات النبيلة القومية والإنسانية المشرّفة فقد تصدى للتآمر عليها الصهيونية والعنصرية والغرب والاستعمار بالتحالف مع مشيخات النفط والرجعية الحاقدة في المنطقة والعالم..
لقد كانت الوحدة العنوان الأبرز في نضالات شعبنا العربي حيث انتقلت بالشقيقة الكبرى مصر من عزلتها ولوثتها الفرعونية والأخشيدية والمملوكية وتحكم الغرباء بإرادتها ومقدراتها إلى القيادة الجسورة لمركبة الأمة العربية نحو شمسها المبهرة، ومستقبلها الزاهر.
وهنا أستذكر أن الرئيس عبد الناصر عندما وجّه دعوة للشاعر القومي رشيد سليم الخوري (القروي) عام 1958 لزيارة الجمهورية العربية المتحدة، نظمنا له أمسية شعرية على مدرج جامعة دمشق حيث قال مخاطباً قلبه العائد به من البرازيل بعد اغتراب دام نصف قرن:
حتى تحسبها أطفأت أحلام سبّح لربك وانحر أنت في الشام
أنا العروبة لي في كل مملكة إنجيل حب ولي قرآن إنعام
ما ازهوهر الشرق إلا تحت أعلامي واخضوضر الغرب إلا تحت أقدامي بناصري
وبأسواني فخرت إذا باهي الدعي بفرعون وأهرام
ما أقرب الوحدة الكبرى مبخرة أحلام كل شعوبي وقسّام
وإلى جانب الأرومة القومية والطموحات التي تستوطن قلوب الجماهير في القطرين السوري والمصري، الأول: هو وقفة شعبنا بعماله وفلاحيه ومثقفيه وعسكرييه إلى جانب مصر في حرب السويس خلال العدوان الثلاثي الصهيوني الفرنسي البريطاني حيث تحقق الانتصار الأعظم على الصهيونية والاستعمار القديم، والدور الأبرز لتضحيات شعبنا على مختلف الصعد في مساندة مصر العروبة. والثاني: تضحية حزب البعث العربي الاشتراكي بتنظيمه في سورية كرمى عيني الوحدة وقائدها الذي رأى فيه الحزب الضمان للوحدة وقوتها.
ولما كانت إدارة طواقم الوحدة، وهي الأقرب إلى مفاصل الشارع وحاجات جماهيره، أقل تماسكاً وصلابة في وجه مؤامرة الانفصال فقد أصيبت الوحدة بالشلل بسبب تقاذف المسؤوليات بين مفاصل البناء والمواجهة في بيتها، الذي تناهشته رياح الأعداء من الداخل والخارج، حتى سقطت بالضربة القاضية على يد الانفصاليين من الأخوة الأعداء المرتهنين للخارج والرجعية العربية، التي فتحت أبواب خزائن ذهبها لأعداء العروبة.
غير أن المؤمنين بالوحدة قدراً، وبالعروبة منهجاً وصراطاً وطريقاً للحرية والكرامة، وبفلسطين قضية مركزية للأمة، فجّروا ثورة الثامن من آذار 1963 لإعادة الوحدة وواصلوا النضال بمختلف الوسائل والسبل لتحقيق الوحدة، حيث كان اتحاد الجمهوريات العربية، والاتحاد الثلاثي، الذي تحقق في ظله نصر تشرين 1973، الذي كان أعظم أحداث الأمة في القرن العشرين بالرغم من هزيمة السادات في وسط المعركة المنتصرة في بداياتها الرائعة، حيث توقف النضال على الجبهة الجنوبية واستبدل النضال للتحرير بالدبلوماسية المذلة لاستسلام كامب ديفيد ورهن مصر، بأهرامها ونيلها وتراث ناصرها، إلى أمريكا وسفيرها بل مندوبها في المنطقة – هنري كيسنجر!!.
وكان من نتائج هزيمة السادات، اتفاقات أوسلو ووادي عربة واحتلال صدام للكويت، حيث تبرعت أمريكا لتحريرها ومعها أصدقاؤها من عرب المنطقة، ومسرحية المؤتمر الدولي للسلام في مدريد، والذي انتهى بالكلمة الشهيرة للوفد السوري في المؤتمر والتي حدّدت وأكدت مفهوم سورية للسلام العادل والشامل:
(إن المفهوم السوري للسلام العادل والشامل هو أن يعود الفلسطينيون إلى بيوتهم التي مازالوا يحملون مفاتيحها منذ نيف وسبعين عاماً، وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وعودة الجولان إلى أهله السوريين).
ومن يذكر أيام العز العربي خلال الوحدة يذكر كم كان صوت العدو الصهيوني خافتاً، وكيف شرّع ببناء الجدران العالية لتحميه من بطولات المقاومة، وتشييد القباب الحديدية لحماية مستوطنيه، وكيف شرع بعد غياب الوحدة، وحضور البديل عنها “التضامن الصوري”، يهدّد العواصم بالاحتلال بادئاً بلبنان، لولا المقاومة المشرّفة التي قدّمت أعظم التضحيات لتكنيسه من لبنان والجنوب الأسطوري الصمود.
سلاماً وتعظيماً للوحدة في ذكراها ولتتعزز المقاومة ومحورها العنيد على طريق النصر والتحرير.