ما وراء تأخر تعديل التشريعات الاقتصادية أو إصدار جديدها!
من يكن من المهتمّين والمتابعين، وتسنح له فرصة الاطلاع على الكثير من التشريعات، يلمس ضرورة ووجوب تعديل العديد منها، وتحديداً ما هو مطروح تعديله ومأمول صدوره منذ سنوات، وخاصة ما هو منها في الجانب الاقتصادي، والتي مازالت قيد التداول بين أيدي اللجان المتعدّدة المشكّلة والدارسة، في ضوء تعدّد وتكرار الصيغ المقترحة، ولكن الصيغة النهائية لم تعتمد، إذ ما زالت العديد من التشريعات المقترح تعديلها أو إصدارها، رهن الانتقال من لجنة إلى أخرى ومن درج لآخر، ويبدو أنه لا يوجد توقيت محدّد لفترة الانتقال، ولا لفترة الدراسة أو الإقرار أو الاعتماد، ومن هذه التشريعات قانون العمل الجديد الموعود صدوره منذ سنوات، بديلاً عن قانون العمل الحالي، والذي أثير الحديث حوله أياماً قليلة خلال السنوات السابقة، ثم لفّه الصمت سنوات بعدها، رغم المقتضيات الموجبة لصدوره، وكذا حال قانون الاستثمار المطروح كبديل عن سابقيه ( القانون رقم 8 لعام /2007 المعدل للقانون رقم /10 لعام/ 2009)، والذي سبق أن صدر وأعلن قبل حوالي سنتين، ولكن تمّ طيّه لدواعي تعديله مجدداً، في ضوء معطيات ومتطلبات الاستثمار المنشود، ونزولاً عند رغبات المستثمرين المعلقين آمالهم عليه.
مؤخراً ناقش مجلس الشعب الجديد قانون المصارف وأقرّه، نظراً لأهمية التمويل في التنمية الاقتصادية، وأقرّ أيضاً القانون المتعلّق بالثروة السمكية رغم بعض التحفظات عليه، إلا أن هموم العاملين في الدولة لم تحظَ باهتمامات الحكومة لإصدار قانون العاملين الجديد الموعود، رغم أهميته، ولا زالت مطالعاته الأولية متداولة بين أيدي اللجان الدارسة له منذ سنوات، ولكن جهود الحكومة الآن منصبّة باتجاه معالجة هموم وطنية بالتشاركية مع هموم رجال الأعمال، للإسراع في إصدار قانون الاستثمار الجديد، المطروح بين يدي أعضاء مجلس الشعب، بعد أن أعدّت اللجنة المعنية (لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة في مجلس الشعب) الدراسة الأولية له.
من المجمع عليه أن المصلحة الوطنية تقتضي المزيد من الاستثمار المحلي -من خلال جناحي الاقتصاد الوطني، القطاع العام والقطاع الخاص- لجميع مواردنا، عملاً بمقولة “ماحك جلدك مثل ظفرك”، ولكن طالما ثبت أن الظفر قد لا يصل لبعض الجلد وخاصة الظهر، وتمّ تصنيع حكاكات من الخشب على شكل ذراع ينتهي بما يشبه أظافر اليد تؤمن الحك حيث لا يصل الظفر، فأسوة بذلك، اقتضى الأمر البحث عن مستثمرين لاستثمارات لازمة ليس باستطاعة الحكومة القيام بها، وقد يعجز عنها القطاع الخاص، ولا شك أن هذه الاستثمارات بأنواعها تتطلّب وجود قانون استثمار ناظم لها، يضمن حقوق جميع الأطراف، لتشجيع إقبال المستثمرين المحليين أو الأجانب، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة توجيه الاستثمارات باتجاه القطاعات الاقتصادية الأهم، وتضمين القانون منح المستثمرين وخاصة المحليين، بعض التسهيلات والميزات والمحفّزات في ظل الحصار المفروض على بلدنا، شريطة أن يكون الاستثمار، في القطاعات الأكثر حاجة، وفي مقدّمة ذلك الاستثمار الذي تتطلّبه جميع الاستثمارات، ألا وهو الاستثمار في الطاقة الكهربائية والوقود، للحدّ من التقنين الحالي المرهق، خاصة وأن الشمس الساطعة في أغلب أيام العام تؤمّن الأرضية لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، كما أن الرياح الموجودة على مدار العام في العديد من المناطق تؤمّن فرص استثمار توليد الكهرباء من الرياح.
والسؤال الذي لا يغيب عن البال: أين نحن من استثمار الغاز والنفط الساحلي، المجمع على وجوده براً وبحراً، على أن يكون ذلك مقروناً بالاستثمار في الإنتاج السلعي الصناعي والزراعي، وتحديداً في ميدان إكثار الثروة الحيوانية، وخاصة أهم أنواعها البقر والغنم والماعز، وتكثيف الاستثمار في زراعة المحاصيل الحقلية، وخاصة زراعة الحبوب بأنواعها وتحديداً قمح الرغيف، شريطة أن تكون التسهيلات والإعفاءات الضريبية الممنوحة للمستثمرين نسبية ومشجّعة في القطاعات الأكثر أهمية وطنياً.
هل من الجائز القول إن التأخر المعهود في تعديل وإصدار التشريعات، ناجم عن ضعف في التشريع وسوء في الإعداد، نتيجة تكليف الأقل أهلية والأضعف كفاءة، بدليل أنه قد تبيّن أن بعض التشريعات الجديدة ليست أفضل من سابقاتها، واقتضى تعديلها مجدداً، والسوء مثبت من خلال التلكؤ في الإعداد، رغم أن بلدنا يملك مؤهلات وكفاءات تشريعية متميزة، ما يوجب أن يدرك أولو الأمر مدى منعكسات واقع التشريعات على مجمل الاقتصاد الوطني، إذ لا مصلحة وطنية في أن تبقى العديد من الحالات الاقتصادية رهن التشريعات المنتظر تعديلها أو صدورها أعواماً عديدة، بدلاً من وجوب حسمها خلال أشهر!.
عبد اللطيف عباس شعبان/ عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية