في غياب الثقة بالنفس.. شخصيات طفولية ضعيفة وسلوكيات تنضح بالخوف
“ليش تركتو يضربك.. ليش مادافعت عن حالك!!”، بهذه الكلمات توبّخ أم يحيى ابنها الذي عاد من اللعب مع أصدقائه وهو يبكي شاكياً إليها عدوان أحد الصبية عليه وعدم قدرته على مواجهته، لتشكو الأم أمامنا من جبنه وضعفه وصعوبة التعامل معه في مثل هذه الحالات، فهل ضعف الأطفال أمام مواجهة المشكلات كفيل بأن نطلق عليهم صفة الجبناء، وكيف يمكن أن نعزّز ثقة الأبناء بقدراتهم ومهاراتهم؟
قلق مبرر
معظم الأمهات يخشين على أولادهن من المشكلات والعراك مع “أولاد الجيران”، ويظهر القلق عند بعضهن لدرجة أن الأم تمنع ابنها، أو ابنتها، من الانخراط مع أقرانه والتعلّم وتلقي الخبرات التي يكسبها من اللعب، وحتى من العراك الخفيف، لتنتج في النهاية ولداً ضعيفاً واتكالياً وغير واثق بنفسه، ونجد في المنحى الآخر أمهات قادرات على التعامل مع أبنائهن ودفعهم إلى مختلف التجمعات التي يتواجد فيها أطفال من مبدأ قوة الشخصية والجرأة، وعدم التردّد في التعرف على الآخرين.
أم آدم من النوع الأول، ابنها في عمر الـ4 سنوات يعاني من تأخر في النطق بشكل كبير، تعترف أنها السبب في هذا، فخوفها الزائد وكثرة تنبيهاتها لابنها وكبته داخل المنزل دفعته للتأخر في النطق، كما أنه يعاني من صعوبة التعامل مع أبناء عمره، فتجده يختبئ في إحدى زوايا الغرفة ولا يتحرك. أما أم فارس فتقول: ابني اسم على مسمّى، لا أخشى عليه أينما كان، فهو “قد حالو”. أما بعض النسوة اللواتي يعانين من مشكلات زوجية فقد اختلفت سلوكيات أبنائهن مابين الضعف والعدوانية، وبين التمرد والانصياع التام.
تخوف من المجتمع
يُبرّر للأهالي خوفهم الزائد على الأطفال، في ظل ما نشهده ونسمعه جراء مخرجات الحرب، كما أن التحوّل الخطير الذي حصل في المجتمع من تغيّرات ديموغرافية ونزوح وهجرة، ومغادرة أحد الوالدين للبلد وتشرد الأطفال، وظهور بعض الأبناء العنيفين من أبوين منفصلين زاد من قلق الأهل، علاوة على ذلك مظاهر التدخين عند الصغار والسلوكيات الخطأ دفعت ببعضهم لمراقبة الأبناء بأدق التفاصيل ومنعهم من الخروج وحتى مشاهدة التلفاز إلا تحت مراقبتهم، لكن المبالغة بهذه الأمور أظهرت عكس ما يرغبه الآباء والآمهات، والنتيجة تكون طفلاً ضعيفاً غير قادر على التعامل مع غيره ومع مشكلاته البسيطة والمعقدة، حيث بالإمكان الموازنة وتتبع الأطفال عن بعد ولحظ أفعالهم وتصحيحها وتعزيز قواهم.
المرشدة الاجتماعية هيام عبده قالت: إن الطفل الجبان هو نتيجة خلل في أساليب التربية، ويوجد بعض الأسباب التي تؤثر في الطفل وتغيّر صفاته، ليصبح بعدها مهزوزاً وجباناً، كقلق الوالدين الزائد وكثرة المشكلات الزوجية. وعلى عكس ما يعتقد البعض، فالاهتمام والخوف المبالغ بهما، وكثرة استخدام الكلمات التحذيرية مثل احترس ولاتفعل ذلك وهذا خطر، كلها أمور -بحسب المرشدة الاجتماعية- تفضي إلى طفل متردّد قلق ينتابه شعور بالحيطة من أي شيء، حتى إن رغب برفع كوب ماء وشربه بمفرده، كما أن التدخل في كل أمور الطفل وعدم ترك فرصة له للتعبير عن رأيه وشخصيته تخلق نموذجاً هشاً وجباناً.
أما عن كيفيّة التعامل مع هذه الشريحة، فقد أكدت عبده أن الطفل يحتاج إلى الكثير من الحب والتعبير له عن ذلك وإظهاره بكل مناسبة وأمام الآخرين، وتوفير الأمان لأن ذلك يشعره بالقوة ويمنحه الجرأة، مع ضرورة انتباه الوالدين لمسألة إشراك الأبناء في الحوار وسماعهم والنقاش حول مواضيع تهمّهم، وسؤال الابن عن مدرسته وأصدقائه والمشكلات التي واجهته في يومه، بعدها يقوم الوالدان بالحديث أيضاً عن يومهما ومشكلاتهما وكيفية تجاوزها، وإعطائه فرصة للتعبير عن حزنه وفرحه، فهذا يدفع الطفل للتقرب أكثر من أبويه والتغّلب على خوفه.
وأشارت عبده إلى ضرورة استخدام كلمات تحفيزية، مثل أنت شجاع، أنت رجل، أو أنت ذكية وقادرة على تجاوز الأمر، كلها أمور تمنح أبناءنا القوة. وفي السياق نفسه يتوجّب إشراك الطفل ببعض الأمور البسيطة ومنحه مكافأة عند إتمامها، وإذا فشل نشجعه مرة أخرى ونبتعد عن النقد والتجريح، وأخيراً يجب تعليم الأطفال كيفية الدفاع عن أنفسهم دون الاعتماد على الأبوين، وحلّ المشكلات الزوجية بعيداً عن الأولاد، لأنها المدمّر الأكبر لهم، حيث تترسّخ كل مشاهداتها في ذهنهم حتى بعد أن يكبروا.
نجوة عيدة