اعتزاز بدور المجمع في محاضرة “دور المجامع اللغوية في خدمة اللغة العربية”
للـغة دور هام في كل مجتمع فهي وسيلة التعبير والتواصل والوجود ومدونة لحفظ الحضارة وإيصال المعرفة، وقد كان للمجامع اللغوية دور كبير في خدمة اللغة العربية والحفاظ على وجودها وتنميتها، ولذا كان لابد من التنويه بهذا الدور والاعتزاز به، من خلال المحاضرة التي حملت عنوان “دور مجامع اللغة العربية في خدمة اللغة العربية” وقدمها مؤخراً الدكتور مازن المبارك في قاعة المحاضرات في مجمع اللغة العربية بدمشق، والذي ركز من خلالها على أن دور مجمع اللغة يتجلى في ثلاث نواحي رئيسية هي عدم فرض اللغة التركية والفرنسية، وعدم تبديل الحرف العربي بالحرف اللاتيني، وتأسيس الجامعة السورية منذ سنة ١٩٢٤.
دور وطني تحرري
أبدى عضو المجمع منذ بداية حديثه استغرابه الكبير ممن يتساءل عن دور المجامع في حماية اللغة العربية ويجهل دورها الكبير والعظيم في تعريب اللسان وتحرير الأوطان لأنه من دون اللغة لا تتحرر الأوطان، وكذلك دورها في إحياء التراث ونشر الثقافة وإشراك الرجال والنساء في العلوم ومراجعة الكتب المدرسية وبعض المصطلحات العسكرية، فمئات مفردات اللغة العربية هي ما أحياه رجال المجمع وحملة التعريب التي شملت جميع مؤسسات الدولة ورسائلها وكتبها التدريسية، وقد عانى أولئك المجمعيون معاناة شديدة ومؤلمة في سبيل تحقيق ذلك فمنهم من طورد ولوحق، ومنهم من فصل من عمله أو سجن ومنهم من حكم بالإعدام، ووهب أولئك المجمعيون حياتهم لرسالتهم العربية ودوى صوتهم في كل أنحاء الوطن العربي، ثم نأتي اليوم لنسأل ما هو دور المجمع، وماذا فعل المجمعيون؟ لا يمكن إطلاقاً تجاهل الدور الوطني القومي التحرري النهضوي للمجمع، ولكن ببساطة لا يمكن للذي يعيش في النعيم أن يشعر بقيمته، فنحن ننشغل بالنعم وننسى من أرسلها لذلك إن من لا يرى دور المجمع ولا يدرك آثاره، كالأصحاء الذين لا يرون تاج الصحة على رؤوسهم، وتلك هي علة البشر في كل زمان ومكان، متابعاً: هل يعلم الناس في وطننا العربي كله وبلاد الشام خاصة أن أكثر ما يتداولونه من كلمات في المراسلات هو بعض مما منحهم إياه مجمع اللغة في دمشق، فقد استطاعت المؤسسات بفضله أن تستبدل الكلمات التركية بالكلمات العربية في كل المجالات، حتى إن أسماء الرتب والفرق العسكرية كلها خرجت من دمشق ويشهد على ذلك المجمع العسكري الموحد بالإضافة إلى المجامع الأخرى، باختصار لقد استطاع المجمعيون ومن شاركهم أن يغيروا وجه الحياة وصبغتها العامة وأعطوها حلة عربية مشرقة.
السد المنيع
وبين د. مبارك بأن المجمع باشر عمله عام 1919 في زمن خلخلة واضطراب اجتماعي وسياسي وفي فترة حرجة لمواطنين لم ينتهوا من احتلال حتى بدأ غيره، أي في الفترة الأخيرة من التتريك وبداية الاحتلال الفرنسي، حيث استطاع محمد كرد علي تشكيل المجمع من مختلف أقطار الوطن العربي، وبدأ عمله مع محاولات جماعة الاتحاد والترقي أن تكون اللغة التركية هي وحدها المسيطرة على جميع نواحي الحياة من أجل طمس الشخصية واللغة العربية، ولكن مساعي المجمع منعت حدوث ذلك، وكان عمله النور الساطع والسد المنيع في وجه الاحتلال الفرنسي الجديد لمنعه كذلك من فرض الفرنسية، فقد فشل الفرنسيون في تحقيق غاياتهم لأنهم وجدوا في دمشق جوا عربيا عاصفا تحتضنه عواطف شعبية تنادي بالعربية وتتمسك بها، فهل خطر لمن يسأل عن دور المجمع أن ينظر بشكل أعمق في التاريخ، ويسأل كيف استطاعت سورية النجاة من فرض اللغة الفرنسية؟ كما كان الأجدر لمن يسأل عن دور المجمع أن يسأل كيف استطاعت بلاد الشام أن تنجو من سياسة الاتحاديين في استبدال الحرف العربي باللاتيني؟ حيث لم يكن عمر المجمع أربع سنين عندما بدأت هذه المحاولات بحجة التخلص من التخلف واللحاق بركب النهضة، وكالعادة كان المجمع هو الذي جعلنا نتمتع بالعربية كتابة وقراءة إلى يومنا هذا ووقف في وجه هذه الهجمة الشرسة بإصدار قرار نهائي يرفض هذا الاستبدال لأن تبديل الحرف يقطع علاقة الأجيال القادمة مع الحرف العربي التراثي الإسلامي مما ساعد في بقائنا على صلة بماضينا ومعرفة بتراثنا المكتوب بالحرف العربي.
ثروة لغوية
ثم تطرق د. مبارك إلى أن المجمع هو من وضع أساس الجامعة السورية مدرسة الآداب العليا والتي كانت غايتها نشر اللغة الفصحى والآداب للعربية عام ١٩٢٤ وتولى التدريس فيها أعضاء المجمع، وقد شكل من تخرج منها قوام العمل التعليمي في المدارس والوظيفي في مختلف مؤسسات الدولة، مضيفاً: كان أهم ما يشغل المجمعيين إحياء مفردات اللغة العربية واستخراج ألفاظها من تحت الردم، وقد صدر المجمع ثروة لغوية إلى كل الوطن العربي ولاسيما في المجال الطبي والعلمي، فجميع ما ننعم به من مفردات هي من صنع المجمع العربي الذي استطاع تحقيق نهضة عربية ومحو صفحة بكل آثارها وخلق صفحة جديدة، منوهاً إلى الردة التي نراها اليوم في لغة وسائل التواصل الاجتماعي التي ترتدي ثياب معاصرة لا أصالة فيها وتلبس الحضارة بقيمها الزائفة، متمنياً على المجامع اللغوية الوقوف في وجه هذه الردة كما استطاعت سابقاً حماية العربية من الضياع.
لوردا فوزي