العلامات.. الثلاث!
حسن حميد
كنّا، أمس، كعادتنا في منتدى الحوار، ندور حول سؤال واحد فحواه: هل كان نجيب محفوظ في مصر، وحنا مينة في سورية، والطيب صالح في السودان يشكّلون الطريق الذي فتح أمام الكتّاب كي يكملوا صفحات المدوّنة الروائية العربية في سورية، ومصر، والسودان؟! أم أنهم كانوا، وبسبب إبداعهم النايف، عقبة كأداء أمام انتشار الرواية واتساع رقعتها من جهة وقبول القراء والنقاد ودور النشر عليها من جهة أخرى؟!
أسئلة كثيرة تفرّعت عن هذا السؤال دارت حول حيثيات الثقافة، والصحف والمجلات، وتبادل المطبوعات بين البلدان العربية، وطبيعة الحياة الثقافية في هذه البلدان الثلاثة، وأجوبة كثيرة استدعتها تلك الأسئلة، وحاصل القول كان: لقد كتب الروائيون الثلاثة مدوّنتهم الروائية من دون أن ينظروا إلى من سبقهم بداعي المنافسة أو الشهرة لأن الثلاثة ما واجهوا منافسة حقيقيّة، ولم تأخذهم أوهاج الشهرة أيضاً، لقد كتبوا الرواية لأنّ مواهبهم الثقيلة انحازت إليها، ولأن ثقافتهم، وما فيها من توق إلى المناجزة والتفوق، كانت قادرة على كتابة روايات تهمّ الناس وواقعهم من جهة مثلما تهمّ غاياتهم وأحلامهم من جهة أخرى، وقد ساندت الظروف العامة الروائيين الثلاثة من أجل أن يكتبوا روايات صارت علامات فنية راشدة لكل من أتى بعدهم، وأنهم استثمروا مواهبهم في أرض بكر فكانت غلالهم الأدبية وافرة، وأنهم كتبوا في موضوعات جديدة لم يتطرق إليها أحد قبلهم، وإن سبقهم أحد إليها، فإنهم تناولوها بطرق جديدة، وصيغ مبتكرة، ولكل هذا فإنهم أسهموا في فتح البوابات كلها أمام كتّاب الرواية الذين جاؤوا بعدهم، وبذلك كانوا مساعدين نافعين كي نرى ازدهار مدوّنة الرواية العربية في أيامنا الراهنة، أي أن كل نجاح توسم به مدوّنة الرواية العربية يعود فضله إلى هؤلاء الروائيين في بلدانهم الثلاثة.
كان هذا حصيلة آراء عدة، صبّت في اتجاه تناوله السؤال الجوهري، وهو: هل كان نجيب محفوظ، وحنا مينة، والطيب الصالح، وعبر مدوّناتهم الروائية، جهة جذب للكتّاب الذين جاؤوا بعدهم ليعلوا من شأن الرواية العربية، وهي إجابات مؤيدة لفحوى السؤال. لكن في الطرف الآخر من الإجابات كان الأمر مخالفاً تماماً، فقد قيل إن الروائيين الثلاثة، وبسبب نجاحهم المذهل، أغلقوا الدروب أمام الكتّاب الذين همّوا بكتابة الرواية، وأن اللاحقين لهم كانت تنقصهم الجرأة في متابعة طريقهم لأنهم ما كانوا واثقين بنجاح أعمالهم لأن شهرة روايات الأدباء الثلاثة كانت كبيرة، وكبيرة جداً، ولهذا مضى الكثير من أصحاب مواهب السرد إلى كتابة القصة القصيرة أو كتابة المسرحية، عدا بعض المجازفين الذين لم تكتب لهم شهرة موازية لشهرة هؤلاء الأدباء الثلاثة الكبار، بدليل أنّ حنا مينة في سورية ظلّ، إلى أن رحل، بلا منافس روائي نديد له، وكذلك الأمر كان في مصر، فلم يحظَ روائي مصري آخر بشهرة نجيب محفوظ وأهميته، والأمر هو كذلك في السودان، فظلّ الطيب صالح هو العلامة الأبرز والأبدى داخل السودان وفي البلاد العربية على الرغم من تعدّد أسماء الروائيين في سورية والسودان ومصر، وقيل أيضاً إننا خسرنا مواهب روائية مهمّة في هذه البلدان الثلاثة بسبب شهرة هؤلاء الروائيين الثلاثة: نجيب محفوظ،، والطيب صالح، وحنا مينة، كانوا أهل ريادة في كتابة الرواية، وأهل تأصيل لها أيضاً، ومن كان في مقامهم، لا سبيل لمنافسته أو مناورته لأن الظروف والأحوال والمقتضيات تغيّرت وتعدّدت صورها كثيراً، والمهمّ أنهم صاروا تاريخاً للرواية العربية، وجهة من جهاتها الإبداعية التي تمرّ بها الأيام.. فلا تثلمها!.
Hasanhamid55@yahoo.com