الولايات المتحدة تخسر حربها على “العدو رقم واحد”
سمر سامي السمارة
فضلاً عن أن الولايات المتحدة لم تسجّل أي انتصار في أي حرب منذ هزيمتها لليابان في الحرب العالمية الثانية، فقد استطاعت جيوش العالم الثالث في كوريا وفيتنام هزيمتها، ومن ثم هزمتها جماعة “طالبان” المسلّحة بأسلحة خفيفة حين غزت أفغانستان في القرن الحادي والعشرين، كما أسفر غزوها المسلح للعراق عن هزيمة أخرى. وهنا لابد لنا من التذكير بأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تنفق تريليونات الدولارات على حروب غير مجدية وخاسرة، ومع ذلك لا يعير البيت الأبيض انتباهاً لمستوى المعيشة الذي يشهد تراجعاً مطرداً، ولا لتدهور السياسة الاجتماعية في البلاد، إضافة إلى إهمال الرعاية الصحية تماماً، حيث تجاوزت خسائر الأرواح جراء كوفيد-19 خسائر الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية.
تسبّبت حروب واشنطن والجرائم التي ارتكبتها الإدارات الأمريكية في السنوات الأخيرة بالفوضى والعنف في كل مكان، وكما هو متوقع، أدّى هذا المزيج التاريخي من الفوضى والفشل، إلى تقويض قوة ومصداقية أمريكا الدولية.
في هذه الأثناء، ومن داخل الإمبراطورية، تمكّن المستشارون السياسيون على وسائل التواصل الاجتماعي من تفرقة الأمريكيين والاستيلاء على عقولهم وأرواحهم بنجاح أكثر من الأيديولوجية الشيوعية والراديكالية الدينية، التي طالما أعلنت واشنطن أنها غير متسامحة. وبحسب وسائل الإعلام الأمريكية نفسها، تمكّنت الصين الشيوعية، خلال عشر سنوات فقط، من انتشال 800 مليون شخص من براثن الفقر، بينما بالكاد تغيّر معدل الفقر في أمريكا خلال نصف قرن، بل ازداد فقر الأطفال. واليوم لا تزال شبكة الأمان الاجتماعي في الولايات المتحدة هي الأضعف مقارنة بأي دولة متقدّمة، كما أنه لا يوجد نظام رعاية صحية شاملة.
في ظل مثل هذه الظروف، يكون استياء الأمريكيين من سياسة البيت الأبيض مفهوماً ومبرراً، وبغضّ النظر عن الحزب الذي تقلّد السلطة: سواء أكانت إدارة ترامب الجمهوري أم بايدن الديمقراطي، فشعار ترامب “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” أو وعد بايدن بـ”استعادة القيادة الأمريكية” يظلّ مجرد شعارات للنخب التي وصلت إلى السلطة في البلاد، لكن ماذا عن الأمريكيين العاديين وماذا تفعل السلطات لهم؟.
من المعروف أن الكحول والمخدرات هما الملاذ الأخير للبائسين، كي يتمكّنوا من نسيان مشكلاتهم وهمومهم، لذلك أصبح الكحول والمخدرات في الآونة الأخيرة، من الأدوات التي تستخدمها الإدارة الأمريكية بشكل متزايد لإدارة المجتمع الأمريكي، وحرصاً منها على تلميع صورتها ظاهرياً، تمّ إطلاق حملة -يفترض أنها- لمكافحة الإدمان على المخدرات. ومع ذلك، في ظل تفشي وباء تعاطي المسكنات والأدوية العقلية في الولايات المتحدة، أصبحت النتائج المخيّبة للآمال لهذه الحرب التي استمرت 50 عاماً على المخدرات في ذلك البلد واضحة بشكل متزايد.
وبحسب خبراء أمريكيين أدّى تقنين بيع الماريجوانا في عدد متزايد من الولايات وترويجها من قبل ممثلي الدوائر السياسية والتجارية في الولايات المتحدة إلى تدمير سكانها بدخان المخدرات وارتفاع معدلات الجريمة في البلاد بعشرات النسب المئوية، والزيادة الهائلة في عدد الوفيات بسبب الجرعات الزائدة من المخدرات، بل امتد أيضاً لدول أخرى، إذ تعمل واشنطن بنشاط على نشر أساليب “الديمقراطية على الطريقة الأمريكية” وتنشيط سوق “أعمالها” الجديدة.
لطالما كانت مبيعات الماريجوانا الصناعة الأسرع نمواً في الولايات المتحدة، وبحسب دراسة لـ”أرك فيو ماركت ريسرتش” لأسواق الماريجوانا القانونية والطبية وغير القانونية في الولايات المتحدة وكندا، بدأ سكان البلدين إنفاق ما يربو على 50 مليار دولار سنوياً على الحشيش، وفي عصر الماريجوانا المقنّنة، قفزت معدلات الجريمة في البلاد بنسبة عشرة بالمائة.
وبحسب المعهد القومي لمعاقرة وإدمان الكحول، عانى ما يقرب من 6 ملايين أمريكي، أو 2.5 في المائة من البالغين في الولايات المتحدة، من اعتلال الصحة نتيجة تعاطي الماريجوانا. ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام الأمريكية، في ولاية ميسوري، ارتفع عدد الأطفال المولودين بأعراض إدمان للمواد الأفيونية بنسبة 538٪ خلال عقد من الزمان. كما تصاعدت حدة أزمة إدمان المواد الأفيونية التي استمرت لسنوات في الولايات المتحدة بشكل مثير، خلال وباء كوفيد- 19 ، حيث زادت نسبة الوفيات الناتجة عن تناول جرعة مفرطة من المخدرات بنسبة 18٪. ووفقاً لتقرير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الصادر في كانون الأول 2020، سجلت الزيادة الهائلة في عدد الوفيات الناتجة عن الجرعات المفرطة من المخدرات أعلى نسبة من الوفيات في فترة 12 شهراً.
أدّى إضفاء الطابع القانوني على استخدام المخدرات، التي تجتاح المزيد والمزيد من الولايات، إلى تسهيل تعاطي الماريجوانا من اللاعبين في الاتحادات الرياضية المحترفة، مثل اتحاد كرة القدم الأميركي، واندلاع فضيحة مخدرات في قاعدة للقوات الجوية الأمريكية حيث تتمركز أسلحة نووية، ما تسبّب بخلق جيل من الشباب المدمنين، المتلاعب بهم، وسيكون لتدفق الأموال من صناعة الأدوية الرسمية تأثير قوي على الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، ما يمنح نفوذاً جاداً للسياسيين عديمي الضمير على المجتمع. على الرغم من أن القوانين الفيدرالية تحظر الماريجوانا، إلا أن 36 ولاية تسمح باستخدامها للأغراض الطبية وتسمح 15 ولاية أخرى بالاستخدام الترفيهي.
وفي 4 كانون الأول عام 2020، صوّت مجلس النواب الأمريكي لإضفاء الشرعية على الماريجوانا في جميع أنحاء البلاد، ودافع عن فكرة إضفاء الشرعية على العقارات الخفيفة، اتحاد المدافعين عن الحريات المدنية، وهيومن رايتس ووتش، والتحالف المعنيّ بسياسة المخدرات، ومنظمة العفو الدولية، والرابطة الوطنية لتقدم الملونين، ومؤتمر القيادة المعنيّ بالحقوق المدنية وحقوق الإنسان، والرئيس التنفيذي لفيسبوك مارك زوكربيرج، والعديد من أعضاء الكونغرس وعدد لا يُحصى من المنظمات والنقابات المحلية والوطنية لحقوق الإنسان.
من الجدير بالذكر أن الفوائد الاقتصادية المباشرة لتجارة الماريجوانا، على سبيل المثال: في السنة المالية 2020، زادت الإيرادات الضريبية إلى خزائن ولاية أوريغون بنسبة 30 في المائة عن العام السابق، لتصل إلى 133 مليون دولار.
على أي حال، كل هذا، بحسب العديد من المراقبين، حتى في الولايات المتحدة نفسها، يشير إلى أن الولايات المتحدة قد خسرت حرباً أخرى، “حربها على المخدرات”، التي أعلنها الرئيس ريتشارد نيكسون في عام 1971، الذي ادّعى أن المخدرات هي “العدو رقم واحد”!.