غير مفعلة؟!
الظروف الحالية تستدعي حالة من الاستنفار الرسمي والمجتمعي غير المسبوق لمواجهة الوقائع المعيشية والاقتصادية التي باتت أكثر صعوبة نتيجة اختراقها الخطوط الحمراء، وجرّها السواد الأعظم من الناس إلى مستوى “ضنك العيش”. وطبعاً، هذا الواقع لا يتطلب فقط السؤال عن الجهات القادرة على صناعة القرار المناسب وفقاً للإمكانات المتاحة والأولويات والضروريات التي يفرضها الواقع العام، بل يجب البحث عن صلة وصل حقيقية وفاعلة بين الشارع بكل تسمياته ومراكز صنع القرارات.
ولا شك أن عملية البحث عن هذه الصلة ليست أمراً صعباً كونها موجودة بالفعل، ولكنها “غير مفعّلة” بشكل صحيح وأداؤها تشوبه النواقص والشبهات المختلفة، فمؤسسات الإدارة المحلية بكل هيئاتها تشكّل حلقة وصل مباشرة بين المواطن وأجهزة الدولة بمسار ثنائي يوصل المعطيات والمعلومات الدقيقة من الأرض ومن حياة الناس عبر القنوات الرسمية لتكون الحكومة أكثر قرباً من الواقع بما يمكّنها من اتخاذ القرارات الصحيحة وفق الأولويات التي تقتضيها حاجات المواطنين، وفي الوقت ذاته تتحمّل مسؤولية تقييم الصدى المرافق لأي قرار ونقله إلى المستويات الأعلى للتصويب وفقاً للضرورة.
وبالعودة إلى عبارة “غير مفعّلة” التي يمكن إثباتها عبر إسقاط المهام المنوطة بالوحدات الإدارية وفق الأنظمة والقوانين على الدور الذي يقوم به المحافظون ومجالس المحافظات والبلديات داخل المجتمع ومدى مساهمته في تحريك المجتمع وتحفيزه على المشاركة في إدارة دفة الحلول والانخراط تحت مظلة المسؤولية ودون إقحامه في مسلسل الجولات التي تتم أمام العدسات المتنوعة الإعلامية المرئية والفيسبوكية التي تحشر العمل في خانات “رفع العتب” بدلاً من تحفيز الشارع لتناقلها والحديث عن إيجابياتها ونتائجها المحققة على أرض الواقع في مجال الحدّ من الفساد ومكافحة المخالفات بكل أشكالها، هذا فضلاً عن أهميتها في تفعيل التشاركية بين الإدارة المحلية والبلديات والفعاليات الشعبية، والمقصود هنا عدم انتظار المواطن لطرق باب المحافظة لسماع شكواه أو اللجوء إليها لمعالجة حالة معينة كان من المفترض عدم وجودها لو كانت تلك الجهات حاضرة وبقوة على ساحة العمل.
بالمحصلة رغم كل الجهود التي تبذل لتحريك قاطرة العمل إلا أن تراكم الملفات التي تحتاج إلى معالجة يدلّ على أن أساليب إدارة التفاصيل اليومية للناس من الوحدات الإدارية ما زالت دون الطموح وهي مدانة بالتقصير، كما أن التزام بعض المحافظين “الصمت العملي” كما وصفوه لوقت طويل دون أي نبضة فعل تريح الشارع سيكون له عواقب متشظية، فدراسة الملفات القديمة بتأنّ لا تعني إطلاق الباب لمخالفات جديدة ضمن سلسلة “الهروب إلى الأمام”.
بشير فرزان