بايدن والسعودية.. صدام أم إعادة صياغة؟
د. معن منيف سليمان
يسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تحقيق توازن في العلاقات الأمريكية – السعودية من دون إفساد العلاقات الإستراتيجية بين البلدين. ويبدو أن مراجعة واشنطن لعلاقتها مع السعودية ذهبت أبعد من التطوّرات الأخيرة، مثل سحب الدعم الأمريكي للسعودية في حرب اليمن، وإيقاف مبيعات الأسلحة للرياض، لتشمل أيضاً تقييم محاسبة الرياض لقتلة الصحفي جمال خاشقجي، إلى جانب أمور أخرى، ما جعل بعضهم يرى أن مسلسل الصدام بين السعودية وإدارة الرئيس بايدن بدأ فعلاً، وحلقته الأولى الإصرار على وقف الحرب في اليمن. وكان بايدن خلال حملته الرئاسية، قد وعد باتباع نهج مختلف تجاه السعودية، ووصفها بأنها “منبوذة”، وتعهّد بالدفاع عن حقوق الإنسان، ودعا إلى إعادة تقييم واسعة للعلاقة الأمريكية- السعودية، لكن على الرغم من ذلك، فقد تعهّدت الولايات المتحدة بالدفاع عن السعودية أمام أية هجمات خارجية، في الوقت نفسه الذي تطالب فيه واشنطن بإنهاء الحرب السعودية على اليمن، التي انطلقت في عام 2015.
أعلن الرئيس بايدن عن إنهاء الدعم الأمريكي لعمليات القصف التي تشنّها السعودية وراح ضحيتها آلاف المدنيين الأبرياء، وأردف ذلك بتعليق “مبيعات الأسلحة” الأمريكية للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية ضد اليمن، تلبية لتعهّده في حملته الانتخابية منذ مدة طويلة في خطوة من جانبه باتخاذ موقف أكثر حزماً مع النظام السعودي. وكانت إدارة بايدن ألغت قرار ترامب بتصنيف “الحوثيين” جماعة إرهابية في اليمن وقامت برفع اسمهم من قائمة الجماعات الإرهابية الأجنبية. وبناءً على ذلك يرى بعض المتابعين أن “مسلسل الصدام بين السعودية وإدارة الرئيس بايدن بدأ مبكراً، وحلقته الأولى الإصرار على وقف الحرب في اليمن”. ما سيترتّب عليه نتائج إستراتيجية خطيرة بالنسبة للسعودية.
في الواقع أرادت إدارة بايدن إنقاذ السعودية من الورطة التي أغرقت اقتصادها وشوّهت صيت أحدث وأفتك المقاتلات والأسلحة المحرمة دولياً ذات الصناعة الأمريكية. وذلك بعد سلسلة العمليات الناجحة التي حقّقها اليمنيون ضد تحالف العدوان السعودي. ولهذا عيّن بايدن أحد كبار الدبلوماسيين من أجل السعي إلى إجراء محادثات السلام، وتعدّ هذه الخطوة الأمريكية نجاحاً مضافاً وانتصاراً سياسياً كبيراً لليمنيين عامة، وحركة أنصار الله خاصة.
وفي ملف مقتل خاشقجي وعد الرئيس بايدن خلال حملته أنّ المسؤولين عن قتل خاشقجي و”قتل الأطفال” في اليمن “سيدفعون الثمن” وسيصبحون “منبوذين”. كما قال إنّه يعتقد أنّ ابن سلمان أمر بقتل خاشقجي. ووعدت مديرة الاستخبارات الوطنية أڤريل هَينز بنشر تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية “سي آي أيه” عن مسؤولية ابن سلمان، وقالت يجب على الإدارة الجديدة الآن أن تفي بهذه الالتزامات، لا ينبغي تطبيع العلاقات الأمريكية- السعودية حتى يُحاسَب سعود القحطاني (المقرب من ابن سلمان) ورئيسه محمد بن سلمان على جرائمهم.
لقد تفاخر الرئيس السابق ترامب بأنه “أنقذ مؤخرة ابن سلمان” بعد مقتل الصحفي خاشقجي عام 2018، أما اليوم فيأتي بايدن إلى البيت الأبيض وفي يده أوراق عدّة يلعبها للضغط على السعوديين. أولها ورقة مقتل جمال خاشقجي، حيث بدأ البيت الأبيض التلويح بها من خلال الحديث عن كشف فحوى التقرير النهائي لعملية القتل في اسطنبول. وهذا التقرير كفيل بوضع ضغط هائل على ابن سلمان، وخاصة إذا أراد ابن سلمان محو فكرة أنه كان تابعاً لترامب وتقديم الولاء للإدارة الجديدة.
هذه الأوراق من المتوقع أن يستغلها بايدن حتى الأخير، وإظهار أنه نفّذ ما وعد به من “محاسبة” للسعودية على ما قامت به، وأما من الناحية الاقتصادية فليس مستبعداً أبداً أن يلجأ بايدن لهذه الأوراق للحصول على ما تركه ترامب من مليارات سعودية، ربما سيحصل بايدن من السعوديين على أكثر مما حصل عليه ترامب، ذلك أن شخصية بايدن ليست منفلتة كما كانت شخصية سلفه ترامب، لكن الأسلوب المعتمد واحد وهو استغلال الدول التابعة لواشنطن حتى الأخير، كما فعلت الإدارات الأمريكية منذ عام 1945 حتى اليوم.
والخلاصة، خطوات بايدن الأولى إلا جهد لخلق توازن وإيصال رسالة مفادها أن الأمريكيين عازمون على رسم بعض الحدود على السلوك السعودي في إطار إعادة صياغة العلاقات بين الجانبين بما يتناسب مع التعهدات التي أطلقها الرئيس بايدن.