عدوان “بايدن” في سياقه الأوسع
أحمد حسن
كما لم يكن مستغرباً أن يحصل العدوان الأمريكي على شرق سورية بالتزامن مع اقتراب نهاية العام العاشر من الحرب الدائرة فيها وعليها، وكما لم يكن مستغرباً أيضاً أن يليه مباشرة عدوان إسرائيلي جديد على جنوب دمشق، كذلك لم يكن مستغرباً، أيضاً وأيضاً، غياب الإدانة العربية الشاملة والواضحة لهذين العدوانين الغاشمين.
فإذا كانت وظيفة العدوانين الأولى القول: إن الحرب على سورية لم تنته بعد، فإن استمرار غياب الإدانة العربية الجامعة، بروتوكولياً على الأقل، لهذا العدوان -وإن كانت غير ذات شأن في موازين القوى- يشي في دلالة أولى، ومحزنة، بأن غيبوبة العرب عن تفهم واستيعاب عوامل أمنهم القومي لم تنته بعد أيضاً.
بتعبير آخر، إذا كان للعدوان الأمريكي تحديداً، إضافة إلى وظيفته الآنية المعلنة -الانتقام لعملية “أربيل”- وظيفة أبعد يفضحها الاختيار المستغرب لموقع “الانتقام” بحد ذاته، سورية بدلاً من العراق، ما يعني فهماً أمريكياً واضحاً لارتباط ملفات المنطقة، فإن غياب الإدانة العربية، لفظياً على الأقل، يعني استمرار التمسّك المتعنّت بالفهم القاصر لإمكانية الخلاص الفردي، وهي إمكانية تثبت تصرفات واشنطن، حتى مع حلفائها الخلّص، أنها ليست أكثر من “حديث خرافة يا أم عمرو” والتطوّرات الأخيرة في ملف “الرياض” يجب أن تُسمع مفرداتها حتى “من به صمم”.
وفي عودة لتفسير العدوان الأمريكي، كونه الأول في عهد “بايدن”، فإن دلالاته المتعدّدة تتجمع كلها في أمر واحد هو بدء الإدارة الجديدة التحضير بالنار لأوراق أمريكية أفضل في المرحلة القادمة، سواء اتجهت الأمور لبقاء أمريكي طويل في المنطقة أو خروج مقنّع -بمعنى خروج العسكر وبقاء السيطرة السياسية- وفي الحالتين الاستمرار في سياسة قطع طرق التواصل بين قوى المنطقة، وسورية قلبها، وتدمير مقدراتها لإبقاء الجميع راضخاً و”تحت الطلب”.
استطراداً يمكن هنا، وتحديداً هنا، قراءة الإعلان الأمريكي السريع، والمشبوه، عن التوافق مع الحكومة العراقية على سبب العدوان وموقعه، كإعلان “توريطي” بهدف “دق اسفين” جديد سواء بين العراق وسورية ومعها قوى المقاومة كلها، أو بين الحكومة العراقية والشعب العراقي وقواه المنظمة أيضاً.
بهذا المعنى يشكّل العدوان “الذي يتناقض مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة مؤشراً سلبياً على سياسات الإدارة الأميركية الجديدة” كما قالت وزارة الخارجية السورية، وهي سياسات احتلالية تقسيمية يفضحها أيضاً ما يبدو من تحضيرات متواصلة لتعزيز الحضور العسكري الأمريكي في شمال شرق سورية، وما يحمله هذا الأمر من دعم علني لتيارات وتوجهات انفصالية، وهذا انحراف أول عن وعود “بايدن” بسياسات “الدبلوماسية القصوى” بدلاً من “الضغوط القصوى”، الأمر الذي “سيؤدّي إلى عواقب من شأنها تصعيد الوضع في المنطقة”.
وبهذا المعنى أيضاً، يمكن القول إنه عدوان لا يستهدف سورية وحدها فقط، بل قوى المنطقة الحيّة ومعها أيضاً دور ومستقبل القوى العالمية التي تعلن واشنطن معاداتها، بل وبعض القوى العربية والإقليمية التابعة لواشنطن والتي لا زالت غائبة عن فهم مصلحتها الحقيقية، وهي مصلحة لا ولن تتحقق إلا بالمسارعة إلى التشبيك مع أبناء المنطقة الفعليين لحماية أمنها ومستقبلها.
ووحدة الأراضي السورية وسلامتها هي أس هذا الأمن ومؤشر اتجاهاته المستقبلية الوحيد والخالص.