اللغة العربيّة وسيلة وضرورة
أمين إسماعيل حربا
اللّغة هي نسق من الإشارات والرّموز، تشكّل أداة من أدوات المعرفة، وتعتبر أهمّ وسائل التّفاهم والاحتكاك بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة، وبدون اللّغة يتعذّر نشاط النّاس المعرفيّ، فهي ترتبط بالتّفكير ارتباطًا وثيقاً، وأفكار الإنسان تصاغ دوماً في قالب لغويّ، حتّى في حال تفكيره الباطنيّ.
ويمكن تعريف اللّغة العربيّة أنّها اسم مشتقّ من الإعراب عن الشيء، أي الإفصاح عنه، وهي تعني من حيث الاشتقاق لغة الفصاحة، وتعدّ اللّغة العربيّة واحدة من أكثر اللّغات انتشاراً في العالم لما لها من خصوصيّة من ناحية جمالها وجزالتها، حيث بلغ عدد الّذين يتحدّثون بها حوالي نصف مليار إنسان في المناطق الّتي عرفت باسم العالم العربيّ، يضاف لهم العديد من الشّعوب غير العربيّة ممّن يكتبون أو يتحدّثون بها لارتباطها بالإسلام كونها لغة القرآن الكريم.
وخلافاً لكلّ اللّغات الّتي تعتبر وسيلة لكافّة الشُّعوب والأمم، فإنّ اللّغة العربيّة بالنّسبة لأمّتنا العربيّة هي وسيلة وضرورة بنفس الوقت، لأنّها الرّابط الوحيد المتبقّي الّذي يحفظ تماسكها ووحدتها، فنظراً للظّروف الخاصّة الّتي مرّت بها هذه الأمّة عبر تاريخها بسبب ثرواتها المتنوّعة والوفيرة ولموقعها الاستراتيجيّ المتميّز في وسط العالم القديم كانت دائماً هدفاُ لكلّ الغزاة والطّامعين وممرّاً إجبارياً لهم ونقطة جذب للمجموعات البشريّة الّتي كانت تأتي إما طمعاً بثروات المنطقة أو فراراً من ظروف خاصّة كانت تمرّ بها، وبمرور الوقت خلّف هؤلاء جميعاً مجموعات استيطانيّة غريبة عن عالمنا تنامت عبر الزّمن وأصبحت تشكّل أعداداً لا يستهان بها.
وبتحريض من القوى الاستعماريّة الحديثة الّتي تسيطر على العالم الحاليّ، بدأت هذه المجموعات الاستيطانية بإثارة النزعات الشّعوبيّة والمطالبة بالاستقلال وبأحقيّتها التّاريخيّة المزعومة في المناطق الُتي تسيطر عليها والتّرويج للهجات منقرضة أو مبتكرة على أنّها لغات قوميّة لها ممّا زاد المخاطر وبدأت تلوح بالأفق نذر تقسيم عالمنا العربيّ وشرذمته.
وعلينا ألّا نتجاهل الدور المسيء لبعض من يدّعون أنّ اللّغة العربيّة ليست شأناً هامّاً وحيويّاً وأنّها مجرّد وسيلة للتّواصل لا أكثر ولا أقلّ، ويقومون بوصم من يدافعون عنها بأنهم تقليديّون وماضويّون وأنّ الزّمن قد تجاوزهم بحجّة الحداثة والانفتاح والعولمة وما شابهها من المصطلحات الفضفاضة، وعلينا أن ننبّه أنّ بعض هؤلاء قد أصبحوا مسؤولين عن تسيير مفاصل مهمّة في وطننا، ويسير بركبهم كثير من الأشخاص إمّا جهلاً بمخطّطاتهم أو كنوع من اتباع الصّرعات الدّخيلة على عالمنا. ونحن هنا لا ندعو بكلّ تأكيد لأيّ عداء مع أيّ مكوّن من مكونات أمتنا العربية، بل ندعو للتنبّه لحجم المخاطر الجمّة المحيطة بها من قبل الشّعوبييّن ودعاة التّقسيم. وبالرّغم من كلّ ما تقدّم لا زلنا مؤمنين بأنّ لغتنا العربيّة هي لغة دائمة الحياة والتّجدد وأنّها قادرة على الدفاع عن نفسها في كلّ الظّروف والأزمنة.
من هنا علينا أن نثمّن عالياً جهود قيادات بعض الدّول العربية وعلى رأسها سورية الّتي بدأت منذ مدة طويلة من منطلق الحرص على اللّغة العربيّة رمز وحدة أمّتنا بخطوات جادّة وحثيثة بإيلاء هذه اللّغة مكانة خاصّة في التّعليم وإنشاء مجمّع خاصّ بتطويرها ومجمّع خاصّ لتمكينها وغير ذلك الكثير وعلى كافّة الصّعد والمستويات.