سر النجاح الدفين!! ابدأ بـ “لماذا”.. كيف يحفز القادة العظماء الجميع على العمل؟
“البعث الأسبوعية” ــ متابعات
بحثتْ كتب كثيرة في خصائص النجاح وسماته، والصفات التي يتمتع بها الناجحون. وتناول كل كتاب تلك المواضع من جانب مختلف، لكن كتاب “ابدأ بلماذا”، لمؤلفه سايمون سينِك، يختلف عن غيره في أنه وصل إلى مستوى أعمق، ليكشف لنا عن كنز دفين يبين السبب الحقيقي الذي يجعل من امرئ أو مؤسسة قائداً ملهماً يتفوق على غيره في الابتكار والتأثير والنجاح، حتى بلغ به الأمر أن يقول إن الربح ما هو إلا نتاج هامشي لهذا التفوق.
يعلمنا سينك في كتابه أن هناك المدير وهناك من يقود، يشغل المدير منصباً، أما القادة، أفراداً كانوا أم مؤسسات، هم منارة ترشد التائهين وتلهمهم، إذ يتمتع القائد بقدرة فذة على حث من حوله وتوجيههم لتحقيق نتائج لا يصل إليها سواهم.
بالاعتماد على مجموعة واسعة من القصص الواقعية، ينسج لنا المؤلف بأسلوب جميل رؤية واضحة لما يتطلبه الأمر للقيادة والإلهام. وقد تستهوينا تجربة نجاح مارتن لوثر كينغ ونتحفز لمعرفة تفاصيلها، أو قصة الأخوين رايت وشغفهما باختراح أول طائرة بالعالم، أو قصة نجاج شركة آبل، إذ يسرد هذا الكتاب أهم مفاتيح النجاح من منظور لم يتطرق إليه غيره.
يشير الكاتب في مستهل كتابه إلى أن بعض القادة يتمتعون بهذه القدرة فطرياً، لكن هذه القدرة ليست حكراً عليهم، بل إننا جميعاً قادرون على تعلم أساليبها، والسبيل إلى ذلك هو أن نسأل أنفسنا أولاً “لماذا” نفعل ما نفعله، لا أن نبدأ بـ “ماذا” نريد أن نفعل، ولا بـ “كيف” ننجزه، فعندما تتضح الغاية [لماذا] لك وللآخرين، ينقشع الضباب ليكشف لك الدرب إلى النجاح والتفوق الدائمين.
ربما يكون أول ما يلفت انتباه القارئ هو تفريق المؤلف بين المناورة والإلهام، وهو ما نراه حقيقة في عالم التسويق والأعمال، فترى الشركات تصب جل تركيزها على الترويج لمنتجاتها باستخدام مناورات عديدة كتخفيض السعر وحملات الترويج ورسائل تثير الخوف وضغط الأنداد والإغراءات والابتكار.
وقد تؤدي هذه المناورات إلى تكرار شراء المنتج أو الخدمة، لكنها لا تولد الولاء عند العملاء أو الزبائن أو حتى موظفي المؤسسة نفسها. وهناك فرق شاسع بين الاثنين، فتكرار الشراء يعني أن يبتاع منك الناس مرات عديدة، في حين يعني الولاء أن يكون عملاؤك أو زبائنك مستعدين لرفض منتجات أجود أو أقل سعراً في سبيل التعامل مع شركتك، ويعني ولاء الموظفين أنهم سيرفضون عروض عمل أفضل في أي شركة منافسة لأنهم يتشاركون مع شركتهم الرؤية نفسها، وهذا ينطبق على العملاء أيضاً.
يكمن خطر المناورات في أنها توهمنا بأنها فعالة وأن العملاء والموظفين يكنون للشركة الولاء، لذا تراها النموذج السائد في عالم الأعمال، والحقيقة أنها فعالة على المدى المنظور لا غير، وولاء العملاء والموظفين مزيف، فإن حدث وسألت معظم الشركات عن سبب ولاء عملائهم لهم، سيرجع أغلبهم السبب إلى تفوق منتجاتهم من حيث الجودة أو المزايا أو السعر.
ولما كانت معظم الشركات لا تعلم سبب ولاء عملائها أو سبب إخلاص موظفيها، أنى لها أن تعرف طريقة اجتذاب مزيد من الموظفين والعملاء؟
يقول الكاتب: إن أردت إلهام الولاء عند عملائك وموظفيك، فإنك بحاجة إلى الانتقال من رسائل المناورة إلى نقطة البدء المثالية المتمثلة بـ “لماذا” تفعل ما تفعله، ثم تنتقل إلى “كيف” تنجز ذلك، وأخيراً “ماذا” تنتج أو تقدم.
أطلق سينك على هذا المفهوم اسم “الحلقة الذهبية”، ولها ثلاثة مستويات، هي من الخارج إلى الداخل: ماذا؟ وكيف؟ ولماذا؟؛ وقال إن معظم الناس يبدأ من مستوى “ماذا”، الذي يمثل المنتجات أو الخدمات التي يقدمونها، بينما يبدأ بعضهم من مستوى “كيف”، أي الطريقة أو النهج الواجب اتباعه، لكن عدداً قليلاً جداً يبدأ من مستوى “لماذا”، أي الغاية مما نفعل.
تعد الحلقة الذهبية منظوراً بديلاً للافتراضات السائدة عن السبب الذي جعل بعض القادة والمؤسسات يحققون درجة هائلة من التأثير، وتؤمّن نظرة معمقة لتفسير قدرة هذه المؤسسات على الابتكار وعدم فقدان قدرتها على القيام بذلك، وتفسر سبب ولاء الناس الكبير لها، حتى إن بعضهم قد يَشِمُ شعار الشركة على أجسادهم. يبدأ هذا المنظور من داخل الحلقة الذهبية إلى خارجها.
وضوح الغاية التي تتحدث عن قيم ومعتقدات المؤسسة يسرع كسب ثقة العملاء والموظفين، وهي أعمق كثيراً من مجرد كسب المال، وهي ما يخلق شعوراً بالأمان عند اتخاذ القرارات، وتجبر المؤسسة على البحث عن المنتجات التي تدعم تلك الغاية، إذ إنها تستطيع عبر هذه المنتجات إيصال قيمها إلى العالم.
وحيث إن الثقة والانتماء شعوران عاطفيان مهمان، يجب أن يكون كل ما تفعله أو تقوله يثبت ما تؤمن به، وما عليك إلا أن تتواصل مع من يشاركونك غايتك، ويؤمنون بما تؤمن به، عندها ستكسب ثقتهم. يقول سينك إن البشر ينجذبون لمن يشاركهم المعتقدات والقيم، فهذا يولد بداخلهم إحساساً بالانتماء.
باختصار، لا يتمثل دور القائد في إيجاد أفكار عظيمة على الدوام، بل في خلق البيئة المناسبة التي تساعد موظفيه على استيلاد أفكار عظيمة، فهو من يسعى وراء الغاية، وهو من يتحمل مسؤولية كيف يفعل ذلك، وتعد منتجاته أو خدماته دليلاً ملموساً على ما يعتقد ويؤمن به، وهذا الكتاب مخصص لمن يريد أن يلهم الآخرين أو يريد أن يجد من يلهمه.
الكتاب صدر عن وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب، 2021، ومن ترجمة الزميل علاء العطار، الصحفي في دار البعث.