شبكة الآغا خان الدولية للتنمية في حلب.. تأهيل ثلاثة أسواق في المدينة القديمة
“البعث الأسبوعية” ــ معن الغادري
مساحة واسعة من العمل التشاركي أوجدتها شبكة الآغا خان الدولية للتنمية بالتعاون والتنسيق مع الحكومة السورية ومع الجهات المعنية المهتمة بترميم وتأهيل الأماكن والمواقع الأثرية التاريخية قبل وبعد الحرب الإرهابية الظالمة التي طالت الحجر والبشر في سورية بدعم من قوى الشر العالمية.
ولعل الحضور المؤثر والفاعل لشبكة الآغا خان الدولية للتنمية في حلب – المدينة القديمة على وجه التحديد – أعطى انطباعات إيجابية حول جدية وحرفية وجودة العمل المنجز حتى الآن، بدءاً بترميم سوق السقطية، أحد أشهر وأقدم أسواق حلب التاريخية، مروراً بسوق خان الحرير، وليس انتهاء بتأهيل ساحة الفستق التي تعتبر صلة الوصل بين السوقين المنجزين ورابطاً حيوياً واستراتيجياً لباقي الأسواق في المدينة القديمة.
أولويات
يقول السيد طارق سراج، مدير مكتب شبكة آغا خان الدولية للتنمية في حلب، أن الجهود انصبت عقب تطهير حلب من الإرهاب على تحديد الأولويات ووضع خطة عمل ناجعة تهدف إلى تسريع عجلة دوران الحياة الاقتصادية كونها تشكل الشريان الحقيقي للمدينة، وكانت البداية بترميم وتأهيل سوق السقطية، وجاء اختياره كإنطلاقة لعملنا لأهميته الإقتصادية والتجارية والاجتماعية، وكونه الأقل ضرراً من باقي الأسواق، وتم إنجاز كافة أعمال الترميم والتأهيل بزمن قياسي وبدقة متناهية وبما يتوافق مع طبيعة وهوية السوق التاريخية والأثرية، وشملت الأعمال تأهيل واجهات المحال التجارية والتي بلغ عددها 53 محلاً، بالإضافة إلى الجدران والأسقف والأقواس وكافة تفاصيل ودقائق السوق، وهو ما انسحب على سوق خان الحرير، حيث تم إعادة تأهيله وترميمه والحفاظ على هويته التاريخية، وحالياً يجري العمل بوتيرة متسارعة لإنجاز مشروع إعادة تأهيل 18 محلاً تجارياً في ساحة الفستق، والمتوقع أن يوضع في الخدمة والاستثمار خلال الشهر السادس من هذا العام، وبإنجاز هذا السوق تكون قد اكتملت حلقة مهمة من المدينة القديمة ستشكل انطلاقة أوسع لاحقاً لتطال باقي الأسواق المتضررة، بدءاً من باب إنطاكية كخط مستقيم بإتجاه قلعة حلب، ويتضمن هذا الخط حوالي 10 أسواق يتم حالياً وضع الدراسات المطلوبة وتأمين الإمكانيات لإطلاق هذا المشروع خلال النصف الثاني من العام الحالي.
تشاركية فاعلة
يبدي سراج الكثير من الارتياح للدعم الحكومي لمشاريع الشبكة ولحالة التعاون والتنسيق مع الجهات المعنية في حلب كشركاء مؤثرين ومهمين في إنجاز المشاريع السابقة والجاري تنفيذها. ويضيف: شراكتنا قوية مع الأمانة السورية للتنمية ومع مجلس المدينة ومديرية الآثار والمتاحف ومع الشركات المنفذة، ولكل جهة دور مهم وحيوي، وهو ما يتجسد حقيقة على الأرض من خلال تهيئة أفضل الظروف والمناخات لإنجاز الأعمال وتقديم الدعم التقني واللوجستي والتراخيص المطلوبة وتوفير المعلومات المتعلقة بهوية وتاريخ الأسواق، والتي يتم مطابقتها مع المعلومات الموثقة والمسجلة ضمن لائحة التراث العالمي الصادرة عن منظمة اليونسكو.
تحدٍ كبير
ويصف السيد طارق سراج مدير مكتب شبكة آغا خان الدولية للتنمية بحلب والمتخصصة بترميم وتأهيل المواقع التاريخية والأثرية في العالم، العمل بالمهمة الصعبة وبالتحدي الكبير، بالنظر إلى الأضرار الجسيمة والكارثية التي لحقت بالمدينة القديمة جراء قيام المجموعات الإرهابية بتدمير تراث هذه المدينة وتاريخها بصورة ممنهجة، ويشير إلى أنه تم تقسيم العمل إلى مراحل، حيث تم تقييم الأضرار، والتي تباينت بين سوق وآخر إلا أنها جمعيها أضرار كارثية، ومن ثم تم وضع الدراسات والخطط والمستندة إلى المعلومات الموثقة للبدء بالعمل تدريجياً وبحرفية وتقنية عالية حرصاً من المؤسسة على الحفاظ على هوية المواقع التاريخية والأثرية؛ ويمكن القول أننا نجحنا وبإمتياز في إنجاز العمل وفق القياسات والمواصفات العالمية، وهو جهد مشترك بين كافة الشركاء وخاصة الحكومة السورية التي قدمت كل التسهيلات والدعم الممكن لنجاح عملنا.
كوادر وطنية
ويوضح سراج أن الأعمال التي أنجزت والجاري إنجازها نفذت بخبرات وكفاءات وعمالة وطنية، بإشراف خبراء مختصيين موفدين من المكتب الرئيس للمنظمة، ما خلق فرص عمل حقيقية للكثير من أصحاب الحرف والمهن، بالإضافة إلى الشركات الوطنية المتخصصة في هذا المجال.
سوق السقطية والجائزة الكبرى
وأعاد سراج إلى الأذهان فوز مشروع إعادة تأهيل سوق السقطية بالجائزة الكبرى عن الفئة الأولى “المباني والمواقع التراثية”، لاعتماده مقاربة تشاركية أفضت إلى إنجاز أنموذجي أعاد الأمل لمركز تاريخي طحنته حرب مدّمرة. واللافت وفق تقديرات المختصين والخبراء أن المشروع تم تأهيله بالاعتماد على أعمال ترميم ذات جودة عالية مستدامة ضمن مشروع إعادة الاعمار وتأهيل الكوادر والمقاولين المحليين، ما شكل دافعاً وحافزاً قويين للقيام بأشغال وأعمال تأهيل مماثلة في باقي الأسواق المتضررة بهدف إعادة الحياة الى جزء من إحدى أهم المدن التاريخية في العالم العربي، وذلك وفق توصيف منظمة اليونسكو المتخصصة برعاية وحماية التراث العالمي.
تأهيل كوادر وخبرات وطنية
ونوه سراج بحجم الدعم والتنسيق بين مكتب شبكة الآغا خان والأمانة السورية للتنمية كفريق وطني داعم حقيقي للجانب الاجتماعي والتنموي. وللمؤسسة دور مهم في تقديم الدعم اللوجستي والفني والمعلومات المطلوبة، بإلاضافة الى التواصل والتنسيق مع المتضررين لإستلام محالهم التجارية المنجزة، وهنا لا بد من الإشارة إلى الجهد المشترك في إقامة ورشة تدريبية وتأهيلية لحوالي 50 عاملاً محلياً في اختصاصات ترميم وتأهيل المواقع القديمة، وذلك بإشراف خبراء مختصين، ما ساعد في رفد وتدعيم العمل بعمالة وكفاءات وطنية متخصصة.
مشاريع مؤجلة
ويضيف سراج بأن الحرب الإرهابية حالت دون تنفيذ العديد من المشاريع الإنمائية التي كان مقرراً إنجازها، منها مشروع إنشاء بيوت بلاستيكية لزراعة الشتول وريها على نظام التنقيط في منطقة خان العسل – كفر جوم، ومشروع تحسين منطقة باب قنسرين على مساحة 17 هكتار وتخديمه بما يتناسب مع بيئة المكان وبصورة حضارية، مؤكداً أن هذه المشاريع سيتم لحظها ضمن خطط شبكة الآغا خان عندما تتوافر الظروف الملائمة.
ختاماً
مما تقدم نجد أن هذه الشراكة أفضت إلى نتائج مهمة لجهة تحريك الثابت وتنشيط الحياة الاجتماعية والاقتصادية في حلب، خاصة أن اسواق حلب القديمة تعتبر شريان المدينة الاقتصادي والتجاري، ولكن تبقى هذه الجهود منقوصة وغير مكتملة، إن لم تسارع الجهات المعنية لتأمين الخدمات المطلوبة لإعادة الحياة لهذه الأسواق، وفي مقدمتها تأمين الطاقة الكهربائية لهذه المنطقة، والتي أصبحت حاجة أكثر من ماسة لتضج بالحياة من جديد.