إشكاليات تخزين
يأخذ البحث عن مشيدات عقارية ومحال استثمارية وتجارية صغيرة ومتوسطة، وحتى ضخمة في قلب المدن والأماكن السكنية مضمونة الهدوء، الأولوية الأهم في تحدي ضمان سيرورة الحياة الاقتصادية والخدمية، وتأمين الاحتياطيات الأساسية، ولاسيما المتعلقة بمستلزمات الحياة التي تنشغل الحكومة ومعها الفعاليات الاقتصادية في إنتاجها وتوريدها وتحصينها.
لقد سبّبت الكثافة السكانية التي أفرزتها هجرات وتنقلات الأحداث اكتظاظاً واختناقات ليس في مجال العقار السكني، بل التجاري والخدمي الذي طال ليس المحال فقط، والشقق والطوابق العليا، لتظهر وتولد أسواق حديثة وفي مواقع لم تكن عين المكتنزين وأصحاب المال ترمقها، لتصبح اليوم محطّ أنظار الجميع، ليس لأنها إستراتيجية أو عليها موطئ قدم كما يقولون، بل فقط لأنها آمنة وقادرة على تأسيس نشاط اقتصادي مستقر ونشط.
قد يكون المشهد السابق نتيجة طبيعية في ظروف كهذه، ولكن الإشكالية التي تواجه أغلب الجهات، ولاسيما تلك التي تتعامل بالبضائع والشحنات الكبيرة “الجملة” تتمثّل بتأمين مستودعات واسعة في مراكز المدن، التي تتركز فيها ضرورات تخزين المواد والسلع الضرورية من غذائيات وأدوية ومشتقات نفطية ومواد أولية للصناعة على قلّتها والزراعة على علتها، وهنا تتسارع الخطا عند أغلب الجهات عامة، وخاصة لإيجاد أماكن مؤمّنة للتخزين والشحن والنقل، في وقت قلّت فيه العروض وانقطعت الحيل، ليبدو المشهد بيروقراطياً روتينياً قاتلاً بين المؤسسات الحكومية، وذرائعياً لا يخلو من التهرب والتملّص عند القطاع الخاص، وتحديداً شريحة التجار الذين يتمسّكون بهذه الشماعة للتقاعس فقط لا غير.
نعترف هنا أن ثمّة أزمة في وجود هنكارات ومستودعات مؤهلة للتخزين في قلب المدن، ولكن التّجار ورجال الأعمال أنفسهم يعترفون أن الحل عند الدولة، في إشارة واضحة إلى حالة الابتزاز في دفع الدولة إلى تزويدهم بمستودعات على حسابها أو من عقاراتها، وهذا ما يفتح الباب على معضلة من الجنس ذاته، فمؤسسات الحكومة نفسها ولاسيما التجارية منها تعاني من الوجع نفسه ولا تعرف كيف “ستدبر رأسها”، ومؤسسات عديدة لا تنقطع عن فتح الجبهات لاسترجاع مواقع مشغولة من قبل الغير أو من باب الإعارة دون نتائج إلا ما ندر.
الكل يستغيث في هذا الملف، في الوقت الذي تنام العديد من الوزارات على مواقع كبيرة وإستراتيجية غير مستثمرة أو موظفة لغاية ما، ومع ذلك لا تستجيب لهدير الطلبات وصيغ الترجي في المراسلات، في زمن ارتفعت فيه أسعار وأجور المستودعات والمحال إلى أعلى حدّ، أما البضائع إما في العراء أو في أماكن خطرة ومستهدفة، ولا تحتمل المسألة أكثر من قرار يفرض على المؤسسات تقديم بيانات عن مواقع عقاراتها وإلزامها بوضعها تحت تصرف المخازين السلعيّة والإستراتيجية.
علي بلال قاسم