دراساتصحيفة البعث

ساركوزي إلى السجن

هيفاء علي

وأخيراً أصدرت محكمة باريس الجنائية الفرنسية الحكم بالسجن لمدة ثلاثة أعوام، اثنان منها مع وقف التنفيذ، بحق نيكولاي ساركوزي، المتهم بالفساد واستغلال النفوذ فيما يُسمّى بقضية “التنصت” على المكالمات الهاتفية، أو قضية ” بزموت”. ويعتبر قرار الحكم هذا الأول من نوعه في تاريخ الجمهورية الخامسة، وساركوزي يعتبر ثاني رئيس دولة تدينه المحكمة بعد جاك شيراك الذي حُكم عليه عام 2011 بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ بتهمة الاختلاس وخيانة الأمانة العامة في قضية “الوظائف الوهمية”. ومن المقرّر إجراء محاكمة ثانية بشأن الإنفاق الزائد للحملة الانتخابية في عام 2012.

هذه ليست التهمة الوحيدة بالفساد، بل إن ساركوزي متورّط بعدة قضايا فساد أخرى، كقضية “بيغماليون” التي تتعلّق بنظام المحاسبة المزدوجة والفواتير المزيفة التي تهدف إلى تحميل حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية نفقات الحملة الرئاسية لعام 2012 (نحو 15 مليون يورو من نفقات الاجتماعات) لتجنّب تجاوز الحدّ الأقصى المصرّح به. في قلب هذا النظام، اعترف مقدّمو الخدمة الثلاثة بالحقائق، وقد تمّ تقديم المتهم ساركوزي وثلاثة عشر متهماً آخرين في هذه القضية للمحاكمة بتهمة التمويل غير القانوني للحملة الانتخابية، وتجاوز سقف النفقات الانتخابية المسموح بها والمحدّد بـ22 مليون يورو، وبلغت التكاليف 42.8 مليون يورو على الأقل، وهو مبلغ أعلى بكثير من السقف المحدّد عند 16.851 مليون يورو للجولة الأولى، و22.509 مليون للجولة الثانية، بحسب القاضي.

قضية التنصت

أثناء التحقيق في التمويل الليبي لحملة ساركوزي الانتخابية عام 2007، أدّى تسجيل مكالمة هاتفية بين ساركوزي ومحاميه إلى فتح تحقيق قضائي في شباط 2014 بتهمة استغلال النفوذ وانتهاك سرية التحقيق، وتمّ القبض عليه في الأول من تموز عام 2014. عقدت المحاكمة في الفترة من 23 تشرين الثاني إلى 10 كانون الأول 2020، وطلب المدّعي المالي الوطني حبساً لمدة 3 سنوات بحق ساركوزي، اثنتان منها مع وقف التنفيذ، كما فرضت العقوبة نفسها على جيلبرت أزيبرت، وتيري هيرتسوغ، مع حظر مهني لمدة 5 سنوات على الأخير.

نفى ساركوزي، الذي تورّط في العدوان على ليبيا عام 2011، دائماً الحقائق التي يزعمها رجل الشبكة الفرنسي اللبناني زياد تقي الدين الذي أخبر “ميديا بارت” أنه في 2006-2007 قدّم ما مجموعه 5 ملايين يورو من الأموال الليبية إلى نيكولا ساركوزي، حيث كان وزير الداخلية آنذاك، ولرئيس أركانه في ذلك الوقت، كلود غيان.

تمّ الاستماع إلى الوزير السابق بريس أورتفو في هذه القضية ولكن في جلسة علنية. أما بالنسبة لكلود غيان، فقد وُجهت إليه تهمة التزوير واستخدام التزوير وغسيل الاحتيال الضريبي في عصابة منظمة. موضوع القضية: البيع المزعوم للوحتين فلنديتين لتبرير تحويل 500 ألف يورو لحسابه. ووجهت إلى إريك وورث، أمين صندوق الحملة، لائحة اتهام “بالتواطؤ في تمويل حملة غير قانوني”. قرار نابع من التحقيقات التي أجرتها شرطة مكافحة الفساد والتي أكدت في تقرير صدر في أيلول 2017 على “حجم  تداول النقود” في حاشية المرشح.

نيكولا ساركوزي، الذي ينفي التهم الموجهة إليه، وجهت إليه لائحة اتهام في 21 آذار 2018، بعد 24 ساعة في حجز الشرطة، بتهمة “الفساد السلبي” و”التمويل غير القانوني للحملة الانتخابية”، و”استغلال المال العام الليبي”، ما استوجب وضعه تحت الرقابة القضائية. وقد رُفضت طعونه التي قدّمها إلى محكمة الاستئناف في باريس.

في 12 تشرين الأول 2020، بعد أربعة أيام من الاستماع واستجواب دام أكثر من أربعين ساعة، تمّ توجيه الاتهام مرة أخرى لرئيس الدولة السابق في هذه القضية، هذا هذه المرة “لتكوين جمعية إجرامية”. إلا أن التحقيق شهد تحولاً دراماتيكياً، عندما أقدم زياد تقي الدين على سحب اتهاماته في 11 تشرين الثاني2020، وهو الذي كان الوسيط وأحد شهود الإثبات الرئيسيين ضد ساركوزي. في هذه العملية، طلب ساكوزي من محاميه تقديم طلب “بالفصل” للفحص، لكن ردّ المدعي العام أوضح أن “لوائح الاتهام في هذه القضية تستند إلى مؤشرات جدية أو متوافقة لا تقتصر على أقوال شخص واحد”.

استخدام أموال طائلة

كشف بحث أُجري في نهاية عام 2017 في باريس عن استخدام نيكولا ساركوزي المنتظم للأموال النقدية بفئات كبيرة، مما أدى إلى فتح المدعي المالي الوطني تحقيقاً جديداً كشفت عنه صحيفة “ميديابارت”. أثناء البحث في نهاية عام 2007 عن تاجر التحف الباريسية الشهير كريستيان ديدير، وضع ضباط الشرطة من مكتب مكافحة الفساد أيديهم على خطاب باسم نيكولا ساركوزي، تمّ تقديمه في اليوم السابق، واحتوى الظرف أيضاً على شيك بقيمة 2000 يورو لشراء قطعة أثرية باسم الرئيس السابق، إضافة إلى أربع أوراق نقدية بقيمة 500 يورو.

وأوضح الرئيس السابق أنه في ذلك الوقت، كل شهر، سيسحب أحد مساعديه باسمه من البنك نحو 2000 يورو بفئات كبيرة، بما في ذلك 500 يورو من الأوراق النقدية، حسب تقارير وسائل الإعلام. هذه الممارسة غير قانونية ولم يكن من الممكن ربط عمليات السحب هذه بالمبالغ المكتشفة في متحف الآثار، وبالتالي تعثّر التحقيق القضائي. كما أكد الرئيس السابق أن الـ2000 يورو التي تمّ اكتشافها كانت مخصّصة لشراء تمثال صغير صيني يريد أحد أحزابه الصغيرة، جمعية دعم نشاط نيكولا ساركوزي، تقديمه لميشيل غودين، في تناقض واضح مع هدفه الاجتماعي، وميشيل غودين هو رئيس موظفي ساركوزي وأمين صندوق جمعية دعم نشاط ساركوزي منذ عام 2012.

استطلاعات الاليزيه

بدأ هذا التحقيق في عام 2013 عقب شكوى قدمتها جمعية مكافحة الفساد “أنتيكور”، بعد تقرير من ديوان المحاسبة في عام 2009. يحقق القضاة في أوامر اقتراع الرئاسة في ظل ولاية ساركوزي التي تبلغ خمس سنوات (2007-2012).

في قلب التحقيق، كان دور باتريك بويسون، المستشار الرئاسي آنذاك، أنه استغل منصبه لتحقيق أرباح كبيرة من استطلاعات الرأي التي أمر بها وباعها لقصر الإليزيه.

تمّت إحالة الأمين العام السابق للإليزيه كلود جيان وباتريك بويسون وأربعة أشخاص آخرين إلى المحكمة الجنائية في هذه القضية. أمر قاضي التحقيق سيرج تورناير في آب 2019 بمحاكمة كلود جيان ورئيس ديوان نيكولا ساركوزي إيمانويل مينيون بتهمة “المحسوبية” و”اختلاس الأموال العامة عن طريق الإهمال”. تمّ فصل باتريك بويسون بتهمة “إخفاء المحسوبية” و”اختلاس الأموال العامة” و”إساءة استخدام الأصول الاجتماعية”. كما تمّ فصل اثنين من المتعاونين السابقين مع ساركوزي، وهما جان ميشيل جودارد وجوليان فولبري، بسبب “المحاباة”، في حين تمّ طرد عالم السياسة بيير جياكوميتي وشركته جياكوميتي بيرون، التي أصبحت الآنNo Com ، بسبب التستّر على المحاباة.

قضية كراتشي

ورد اسم نيكولا ساركوزي، وزير المالية آنذاك، في هذا التحقيق للاشتباه في عمليات إعادة توجيه لمصلحة معسكر بالادور على هامش مبيعات الأسلحة في التسعينيات. ولكن عندما أحالوا الملف إلى محكمة العدل الفرنسية، استهدف القضاة رئيس الوزراء السابق إدوار بالادور ووزير دفاعه فرانسوا ليوتار، وتركوا الباب مفتوحاً أمام إمكانية الاستماع إلى نيكولا ساركوزي كشاهد مساعد.

اكتمل التحقيق في رحلات نيكولا ساركوزي على متن طائرة خاصة إلى شركة Lov Group  لصديقه ستيفان كوربي، في تشرين الثاني، دون توجيه لائحة اتهام. أمر القضاة بالفصل في نهاية أيلول 2016.

فتح مكتب المدّعي العام في باريس تحقيقاً قضائياً في كانون الأول 2014، على هامش قضية “إير كوكايين”، التحقيق القضائي الذي تمّ إجراؤه في مرسيليا بشأن تهريب مخدرات دولي واسع النطاق عبر جمهورية الدومينيكان، حيث أدين 14 شخصاً. في سانتو دومينغو، حُكم على أربعة فرنسيين بالسجن لمدة 20 عاماً في آب 2015 وفرّ اثنان منهم في ظروف غامضة للعودة إلى فرنسا، حيث يتمّ توجيه الاتهام إليهم.

أثناء تفتيش مقر شركة النقل الجوي SNTHS المتورطة في التهريب، اكتشف المحقّقون فواتير موجهة إلى شركة Lov Group ، ثلاث منها تتعلق برحلات نيكولا ساركوزي على متن طائرة خاصة. تمّ تنفيذ هذه الرحلات في ثلاث طائرات مختلفة من لو بورجيه، متجهة إلى مشيخة قطر، حيث ذهب الرئيس السابق في 9 كانون الأول 2012 لحضور منتدى دولي حول الرياضة، وإلى الولايات المتحدة في 30 كانون الثاني 2013 و26 شباط 2013 في أبو ظبي. ووفقاً لمصدر مطلع على الأمر، تُظهر الوثائق التي تمّ الاستيلاء عليها أن الرحلة الأولى بلغت تكلفتها 102 ألف يورو، والثانية 95000 والثالثة 104000.