ثقافةصحيفة البعث

المرأة الفلسطينية تقاوم في ساحات النضال والأدب

“أحن إلى خبز أمي.. وقهوة أمي”،  بقصيدة محمود درويش حيّت الإعلامية ابتسام الحروب المرأة الفلسطينية التي تزرع شجرة مكان تلك التي اقتلعتها جرافات الاحتلال، المرأة التي تسمّي أولادها بأسماء القرى والمدن الفلسطينية، تقاوم وتناضل للحفاظ على الهوية الفلسطينية، وصيانة التراث، وقوفاً في وجه الاحتلال الصهيوني، من خلال المحاضرة التي أقامتها مؤسسة القدس الدولية بعنوان: “المرأة الفلسطينية وتاريخ النضال ما بين الداخل والشتات” في المركز الثقافي العربي “أبو رمانة”، تزامناً مع الاحتفال بيوم المرأة العالمي، والمؤلم أن المعتقلات الفلسطينيات تتعرّضن لمختلف أنواع التعذيب.

اتخذت المحاضرة طابع التوثيق، فبدأت الحروب من قصة والدتها التي خرجت من فلسطين وهي ابنة خمسة عشر عاماً لتبلغ اليوم السبعين وهي لاتزال كل صباح تتحدث عن الانتماء الفلسطيني، وانطلقت من أنه لا توجد داخل فلسطين نساء مناضلات ونساء غير مناضلات، فكل النساء في الداخل ومعظمهن في الخارج هن مناضلات. واختزلت تاريخ نضال المرأة الفلسطينية الذي يعود إلى عام 1917 حينما كانت تشارك بالثورات الشعبية المسلحة، وفي بداية العشرينيات أسست المقدسيتان نيليا سكاكيني وزليخة الشهاب أول اتحاد نسائي أُلحق بجمعيات عدة لمناهضة الانتداب البريطاني، والوقوف في وجه الاستيطان الصهيوني، وذكرت أسماء بعض المناضلات مثل طرب سليم التي قادت أول تظاهرة نسائية للدفاع عن فلسطين، وفي عام 1929 استشهدت تسع نساء في ثورة البراق، وتم في العام نفسه عقد مؤتمر القدس حضرته ثلاثمئة سيدة طالبن بوقف الهجرة اليهودية.

ثم جاءت مرحلة ما بعد النكبة، ونضال ما بعد اللجوء، إذ اتخذ دور المرأة الفلسطينية وجهاً آخر من أوجه النضال في مواجهة الفقر والمرض والحياة القاسية في المخيمات، والحنين إلى الأهل، كما حاربت نتائج اللجوء التي تركت أثرها النفسي المؤلم في الجيل الناشىء، وأخذت دور الراوي لجغرافيا فلسطين، وأهازيجها الشعبية والتراثية، وحكايات الشهداء. ثم مرحلة الالتحاق بالثورة المسلحة، واستشهاد المناضلة رجاء أبو عماشة عام 1955 وهي تمزق علم بريطانيا في عمان، وفي عام 1976 سجل التاريخ حضور أول أسيرة فلسطينية بعد تفجيرها قنبلة في سينما صهيون في القدس فاطمة برناوي، وفي العام التالي استشهدت شادية أبو غزالة وهي تحضّر لعملية عسكرية في تل أبيب، وتتالت الشهيدات وصولاً إلى دلال المغربي التي استشهدت عام 1978 في مشاركتها بعملية كمال عدوان مع مجموعة دير ياسين، لتصل إلى انطلاق انتفاضة الحجارة عام 1987، وزيادة الانتهاكات الصهيونية، فازدادت مسؤوليتها بتأمين الاكتفاء الذاتي إثر شح المواد بسبب العقوبات، وفي انتفاضة الأقصى تستكمل مسيرة الشهيدات باستشهاد وفاء إدريس من مخيم الأمعري في رام الله عام 2000، وفي العملية العسكرية المعروفة بالسور الواقي عام 2002 فجّرت نفسها البطلة عندليب طقاطقة من بيت لحم في القدس الغربية، وغيرهن كثيرات، كما وثّقت الحروب تاريخ النساء اللواتي تعرّضن للاعتقال، مثل الأسيرة المحررة أحلام التميمي التي حكم عليها بالسجن خمسة عشر عاماً في 2001، وتحررت بعد عشر سنوات من خلال اتفاقية شاليط.

دور السينما بالتوثيق

انتقلت الحروب إلى نضال المرأة الثقافي في صيانة التراث الفلسطيني، وفضح العدو الصهيوني في كل الفنون من مسرح وسينما وأدب، مستحضرة فيلم المخرجة الفلسطينية مي المصري “3000 ليلة” الذي يتطرق إلى معاناة المرأة الفلسطينية من خلال قصة حقيقية لامرأة تضع مولودها داخل أحد السجون الإسرائيلية وهي مقيدة بالسلاسل، كما تطرقت إلى نماذج من نضالها القانوني مثل مها أبو دية التي قدمت المساعدة القانونية للفلسطينيين في السجون الصهيونية. وأشادت بدور الأديبات المناضلات مثل فدوى طوقان التي حصلت على جوائز، وأثنت على الباحثات مثل د. نجلاء الخضراء وكتابها (سحر القدس بين الحروب والأسفار)، كما تطرقت إلى المناضلات السوريات رفيقات الدرب مثل: لينا علي إبراهيم نبض الحرف المقاوم، ود. منال أبو الخير. وتوجهت بالدعاء لنصرة سورية: “يداً بيد لتحيا سورية من اللواء إلى الجليل”.

 ضد التهويد

وفي تصريح لـ “البعث” تحدث د. خلف المفتاح مدير مؤسسة القدس الدولية عن تاريخ المرأة الفلسطينية بالنضال، ودورها الكبير في المواجهة والتشبث بالأرض ضد محاولات اقتلاع الفلسطيني من أرضه، فكانت أشبه بالسنديانة التي تغرس جذورها بقوة لتمتد وتكون أكثر مقاومة. وتوقف عند دورها في دول الشتات في دفع أبنائها باتجاه الوطن، وحفاظها على الثقافة الفلسطينية من خلال تمسكها بالزي والمأكل، واللهجة، والفلكلور الفلسطينيين، ونراها أيضاً في المحافل الأدبية والإبداعية، في الوقت الذي يعمل فيه الصهاينة على تهويد الهوية الفلسطينية وطمس معالمها. وفي السنوات الأخيرة في الحرب على سورية، كانت المرأة الفلسطينية تناضل لأنها تعتبر أن سورية وفلسطين بلد واحد، حينما تضعف سورية وتخرج من المعادلة تكون نهاية الملف الفلسطيني.

كما حظيت الندوة بمداخلات، منها مداخلة د. صابر فلحوط الذي أثنى على تاريخ نضال المرأة الفلسطينية، واستحضر ذكرياته مع المناضلين، وقرأ مقتطفات من شعره النضالي، وأكدت العميد د. هالة بلال أن نضال المرأة الفلسطينية والسورية نضال واحد، وتحدثت د. نجلاء الخضراء عن انتهاك الصهاينة حقوق الإنسان بمعاملة المعتقلات في سجون الاحتلال.

 

ملده شويكاني